قلت في تغريدة الخميس الماضي، إن الأحساء صندوق التراث الأصيل، لكنني بعد مراجعة ذاكرتي عن زيارة قصيرة للأحساء وجدت أن ما شاهدته لا يمكن استيعابه في صندوق، وإنما هو عبارة عن متحف تتوزع محتوياته بين مواقع عديدة في أنحاء هذه المحافظة التاريخية الغنية بكنوز من جميع أنواع التراث. ورغم أن الزيارة كانت قصيرة وغير مخطط لها، بحيث نستعين بمرشد أو مرافق من إحدى الجهات الحكومية المشرفة على النشاطات، وجميعها بلا شك ترحب بمساعدة من يريد الاطلاع على المواقع التراثية، وفي مقدمة تلك الجهات أمانة الأحساء، التي وجدنا بصماتها في جميع المواقع، وهناك أيضا هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة. الجميل في جولتنا أننا وجدنا مشاركة فاعلة من القطاع الخاص وسأشرح ما أشرت إليه باختصار. وكما ذكرت فلم نطلب مساعدة إرشادية من أي جهة، وإنما جعلنا "السيد جوجل" هو مرشدنا ودليلنا. فوجهنا إلى السكن المناسب والمطاعم والمتنزهات والأسواق. وبدأنا زياراتنا لأعرق سوق في الأحساء، وهي سوق القيصرية التي تتوسط مدينة الهفوف، التي تعرضت إلى حريق قبل أعوام، واقترح البعض هدمها وإقامة مول حديث مكانها، لكن الحكمة وبعد النظر تغلبا فتم ترميم السوق كما هي رغم أن ممراتها لا تتسع لمرور شخصين في الوقت نفسه، وإذا تقابلا فعلى أحدهما أن يلتصق بالجانب الآخر ليمر التالي بكل سهولة. وتعرض في محال هذه السوق الصغيرة بضائع تراثية، وأهمها الملابس التقليدية القديمة للأطفال من الأبناء والبنات، إضافة إلى بعض الصناعات التقليدية المعروفة. ويقوم بالبيع في هذه السوق مواطنون يعتزون بمهنة آبائهم وأجدادهم، وباللهجة الحساوية الجميلة. وفي اليوم الثاني، كانت زيارة مسجد جواثا الذي تبرز فيه جوانب من التاريخ الإسلامي العريق، حيث صُليت فيه ثاني صلاة جمعة في الإسلام، بعد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وبجواره متنزه جواثا الذي يضم ألعابا مائية ونشاطات ومسابقات للرماية ومسرحا وأماكن للجلوس والمطاعم والمقاهي بأنواعها. وفي اليوم الثالث كانت زيارة مهرجان التمور المصنعة التي اعتقدنا قبل الوصول إليه أنه مجرد محال لبيع التمور، لكن ما وجدناه أكبر من ذلك فهو مهرجان للتراث والفنون الشعبية في مكان فسيح ضمن مبنى أمانة الأحساء وتحت إشرافها، ما يدل على الاهتمام به وهو يستحق ذلك، وكان فيه عدد كبير من الزوار من المواطنين وبعض الأشقاء من مواطني دول الخليج العربي. لقد كان البيت الحساوي القديم بغرفه المنوعة جاذبا للزوار ومعبرا عن حياة الآباء والأجداد. وآخر الزيارات كانت مسك الختام بكل جدارة وهي لأكاديمية الأحساء للحرف، إحدى مبادرات مؤسسة عبدالمنعم الراشد الإنسانية، وهي تحت إشراف هيئة التراث. ويدفع للشباب والشابات الذين يزيد عددهم على 50 متدربا مكافأة شهرية تبلغ أكثر من أربعة آلاف ريال ومدة التدريب ثمانية أشهر يحصل الخريج بعدها على قرض من حاضنات الأعمال، إن أراد افتتاح محل له لصناعة الفخار أو غيرها من الحرف التي تم التدريب عليها. ويتم اختيار المتفوقين منهم للابتعاث لإكمال تدريبهم على مستوى أعلى. أخيرا، تحية وشكر لهيئة تطوير محافظة الأحساء برئاسة الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، ومحافظها الأمير سعود بن طلال بن بدر، ولأمانة الأحساء، وأدعو الإعلاميين بمختلف وسائلهم، إلى الاهتمام بهذه المحافظة وإبراز كنوزها الطبيعية والتراثية.