السياسة الخارجية السعودية.. مسار مستقل وشراكات أكثر فاعلية

  • 3/13/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التجربة السعودية في علاقاتها مع إيران مؤثرة، ومرت بالكثير من المنعطفات، ولن يكون من السهل أن تقبل السعودية وساطة دولة كبرى كالصين دون أن يكون هناك طرح مباشر لكل المشكلات والأزمات التي أعاقت توصل البلدين إلى اتفاق مباشر من قبل.. السياسة السعودية في مسارها الخارجي تفاجئ العالم بنجاح مساعيها، فعبر وساطة صينية توصلت الرياض والجانب الإيراني إلى اتفاق كانت أبرز مؤشراته اتفاق البلدين على احترام سيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض، بجانب العودة إلى تفعيل الاتفاق الأمني الذي تم توقيعه بين البلدين عام 2001م، لقد كانت المفاجأة الكبرى في هذا الاتفاق هي أنه عقد في الصين التي تقترب من التأكيد أن النظام العالمي يتحول بشكل تدريجي لرسم صورته النهائية متعددة الأقطاب، وخاصة أن الصين لم يتعود منها العالم المساهمة الدبلوماسية كما فعلت في واحدة من أهم القضايا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. من الواضح أن الصين تدخلت بقوة من أجل إنجاح هذا الاتفاق، وخاصة مع الجانب الإيراني الذي يلتزم مع الصين بعلاقات عميقة، السياسة السعودية أثبتت أنها تمتلك المهارة اللازمة عندما اتخذت مساراً مستقلاً في حل الأزمات، بحيث اختارت شريكا ذا فاعلية يعتمد عليه من أجل حل واحدة من الأزمات الاستراتيجية الكبرى في المنطقة، وبذلك يمكن لمسار الترقي في العلاقات بين السعودية وإيران أن يذهب بالمنطقة إلى شكل من الاستقرار المفقود منذ أربعة عقود مضت، هذا المسار يرسخه بالدليل القاطع تصريح سابق لسمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود الذي قال حرفيا: "الصين هي أكبر شريك تجاري لنا، كما أنها أكبر شريك تجاري لمعظم البلدان، وهذه حقيقة سيتعين علينا التعامل معها، لكننا قلنا ونكرر هذا، دائمًا، سننظر نحو مصالحنا الخاصة، وسنبحث عنها في الغرب والشرق". التجربة السعودية في علاقاتها مع إيران مؤثرة ومرت بالكثير من المنعطفات ولن يكون من السهل أن تقبل السعودية وساطة دولة كبرى كالصين دون أن يكون هناك طرح مباشر لكل المشكلات والأزمات التي أعاقت توصل البلدين إلى اتفاق مباشر من قبل، وخاصة في موضوعات أمنية وعسكرية واقتصادية وثقافية، فإيران في النهاية هي دولة تقع على الضفة الأخرى من الخليج العربي، ولذلك فإن المشروعات أو البرامج الاستراتيجية التي تقوم في هذه المنطقة سواء عسكرية أو اقتصادية لا بد أن تتضمن تفاعل جميع القوى الإقليمية. الرسالة السياسية الأكثر حيوية التي مارستها السعودية خلال السنوات الماضية هي أن المنطقة لا ترغب في تحميل إيران متطلبات أكثر مما هو متفق عليه دوليا، وخاصة في برنامجها النووي وعلاقاتها مع جيرانها، فالسعودية ظلت خلال عقود مضت وهي تطرح فكرة مهمة تقوم على أن إيران جارة جغرافيا، وهذا ما يجعل المنطقة تتأثر وبشكل سريع بأي حالة من عدم الاستقرار يمكن أن تنشأ، ويمكن لهذا الاتفاق الذي سوف تتصاعد فاعليته بشكل تدريجي أن يمنح المنطقة الفرصة للتعامل مع قضايا المنطقة الكبرى السياسية منها والاقتصادية، فعلى سبيل المثال سيوفر استقرار المنطقة تعاملا أكثر فاعلية مع القضية الفلسطينية وتعزيز الحديث عن حقوق الفلسطينيين، كما أن استقرار المنطقة سيوفر ممرات بحرية آمنة توفر للعالم الاستقرار وتعزز تدفق سلاسل الإمداد من الطاقة. دور الصين المتنامي كقوة اقتصادية وسياسية عالمية أثبتته هذه التجربة السياسية الصينية عندما استطاعت أن توصل واحدة من أكثر المشكلات السياسية تعقيداً في المنطقة إلى طاولة التوقيع، كما أن السياسة السعودية أثبتت أيضا أن لديها آلياتها المختلفة للتعامل مع القوى العالمية بشتى أنواعها، لقد أثبتت التجربة السعودية أن القوة السياسية والاقتصادية هى رقم واحد في العالم وقبل كل قوة عسكرية إذا ما تم استخدامها بطريقة صحيحة. من الواضح أن البنية السياسية التي شكلت الاتفاق السعودي - الإيراني هدفها الوصول إلى انفراج واسع وكبير في العلاقات السعودية - الإيرانية، والحقيقة أن هذه الاتفاقية تعبير دقيق عن رغبة كل من الرياض وطهران لتصحيح مسار العلاقات بينهما نحو التعاون وليس المواجهة، السياسة الخارجية السعودية وعبر هذا الاتفاق تسعى إلى إعادة العلاقات مع إيران بمساهمة وسيط دولي يمتلك السمة الدولية والمكانة الكافية لإنجاح هذا الاتفاق الذي يشكل انتصاراً فعلياً للسلام والحوار بين الجيران. في الواقع أن هذا الاتفاق يؤكد فرضية سياسية تقول إنه كلما كان هناك حديث عن إمكانية وجود فراغ استراتيجي في المنطقة الشرق أوسطية، فإن هناك من يمكنه أن يملأ هذا الفراغ سواء بالمبادرات السياسية الناجحة كما فعلت السعودية من أجل إعادة العلاقات مع إيران، أو باستثمار العلاقات السياسية العميقة كما فعلت الصين التي تمتلك علاقات استراتيجية في المنطقة، ما مكنها من ترتيب وإخراج واحدة من أهم العلميات السياسية، وخاصة أنه بعد أزمة كورونا تغير وجه العالم وانحسرت الفرص السياسية لحل الأزمات الدولية.

مشاركة :