الصراحة التي ظهر بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كاشفاً حالة الدولة المصرية التي وصفها ببقايا الدولة، تكشف واقعاً صعباً تعيشه مصر التي كانت في لحظة ما مزوداً رئيسياً لكل شيء في عالمنا العربي بدءاً من كتابة دساتيره في بعض الدول إلى التعليم مروراً بالتطبيب إلى الهندسة والأدب والثقافة والفن، ولنتخيل عالمنا العربي اليوم دون مصر كيف ستكون هيئته؟ إن الدولة المصرية التي جاءت في حديث الرئيس السيسي ليست هي مصر التي أدت دوراً كبيراً وبناء في عالمنا، فقد ورثت القاهرة مشاكل أجيال وعقود وأرتال متراكمة من الإهمال والفشل، وتفشي ثقافة الفساد، وعدم اتقان العمل، وهذا يحيل المصريين إلى سؤال كبير حول تاريخهم، من صنعه وكيف ولماذا تداعت مصر بهذا الشكل المخيف؟ ويضعهم في الوقت ذاته أمام مسؤولية إنقاذه. فاجأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مشاهدي أحد أكثر البرامج مشاهدة في مصر، عندما تداخل ليكشف للمصريين أن فواتير خمسين عاماً لن يكون إيفاؤها سهلاً، جاءت مداخلته بعد أسبوع من مرور ذكرى 25 يناير التي كانت إحدى تحولات التاريخ المصري.. أرّخ الرئيس المصري لتاريخ بداية انهيار الدولة المصرية الحديثة، وربطها ب»النكسة» أو حرب الايام الستة عام (67)، التي شكلت تحولاً ليس في مصر بل في عالمنا العربي، لأن ما يحدث في تلك البلاد سلباً أو إيجاباً يسمع صداه في وطننا، لذا كانت المملكة في كل لحظة من تاريخ مصر تقف بجوار هذا البلد إيماناً بدوره ومكانته بدءاً من حظر النفط عام (73) إلى مرحلة ما عرف ب»الربيع العربي»، ومحاولات الغرب إدخال مصر مرحلة تجاذبات داخلية دولية خطيرة. إن بالإمكان القول أن بقايا الإرث المصري الذي ورثته مصر من أيام الملكية، وقليل من المراحل التالية كالحياة الحزبية القديمة في مصر ومؤسسات المجتمع المدني والصحافة على عِلاتها أسهم إلى حد معقول في عدم انفراط عقد الدولة، وحافظ على تماسكها إلى يومنا هذا. ويخبرنا التاريخ أن الدول إذ هزمت في حربها إما أن تخرج أقوى من ذي قبل كما علمتنا اليابان وألمانيا أو تهوي وتسقط بشكل ذريع ومريع كما حدث لمصر التي لم تُفق من نكستها يوم لم تعترف أنها هزمت، إن حديث الرئيس السيسي ذو بعد سياسي عميق وخطير في آن، فالرجل وقف اليوم ليقول ضِمناً إن ما حدث في مصر في (67) كانت هزيمة وليست نكسة. لذا كان على المصريين أن يتعاملوا مع واقعهم آنذاك كمهزومين ولكن ما حدث أنهم كابروا في لحظة كانوا يسلكون فيها طريقاً منحدرة دون مكابح.
مشاركة :