روسيا واستحالة العودة إلى الحرب الباردة

  • 2/6/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يستطع الاتحاد السوفياتي الاستمرار فتشظى إلى دول متنوعة عادت الى واقعها الموضوعي على رغم الصعوبات والعثرات. كان الاتحاد يسيطر على نصف العالم ويمتلك قرار دول عدم الانحياز ويحضر في عدد من الدول العربية، الجزائر واليمن وليبيا والسودان والعراق وسوريا ومصر بأساطيله وقواعده العسكرية، لكنه لم يمنع هزائمنا أمام العدو الصهيوني الذي احتل فلسطين وشنّ حروب 56 و 67 و 72 و 73 و93 و 96 و 2000 و 2006، ومع اندثار الاتحاد السوفياتي وعودة روسيا الى واقعها على رغم عدوانها على جورجيا وأوكرانيا، وتراجع وضعها (القوة - السيطرة) الى حدود دولة واحدة هي سورية حيث أضافت الى قاعدتها البحرية أخرى برية، لكنها لن تستطيع تغيير المعادلات. لقد هزم الغرب الاتحاد السوفياتي بقوة الاقتصاد والمزاحمة وسباق التسلح، ووضع يده على أوروبا الشرقية ... الخ. ولم تستعمل أميركا القوة لإسقاطه، على رغم استهلاكه في حروب متعددة استنزفت احتياطه المالي والاقتصادي، خصوصاً أفغانستان، ومأساة تشرنوبيل بعد تقادم المفاعلات النووية في روسيا وحاجتها الى أموال كي تتخلص منها، وهنا لم تقدم أميركا لها أية مساعدة. وفي مراجعة دقيقة لوضع روسيا ومقدرتها على مواجهة الغرب وتحديداً أميركا التي أعادها أوباما من سياسة القوة الوحيدة العالمية الى صفوف المشاركة عبر مؤتمر العشرين الذي قال فيه إن المسؤوليات مشتركة على المستوى العالمي الأمر الذي يبقي العالم في دائرة التنافس. الإقتصاد الروسي ريعياً يتكوّن من النفط والغاز والأخشاب والفحم الحجري والمعادن الثمينة والزراعة والكيماويات، أما الإنتاج الصناعي فتفتقر اليه روسيا عدا صناعة الأسلحة. وفي مقارنة بسيطة نرى أن الاقتصاد الإيطالي الذي يفتقد للريعية يمثل كإنتاج سنوي 3 أضعاف إنتاج روسيا، التي تخضع اليوم لعقوبات صارمة وعزلة دولية. لن تستطيع روسيا العودة الى الحرب الباردة لإنها لا تمتلك قوة الاتحاد السوفياتي والمستوى الذي كانته الولايات المتحدة، التي تتوجه في هذه المرحلة الى المحيط الهادئ الذي يمتلك 40 في المئة من الاقتصاد العالمي، نحن اليوم في مرحلة انتهاء عهد الجبارين بعد أن تحولت الأرض الى قرية كونية واحدة وتحولت المدن الى خليط بشري يتجاوز الوطنية والقومية. وتسعى واشنطن الى الحفاظ على قواها حتى أنها خرجت من الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2008 مع اليابان وألمانيا، أما روسيا فهي قعر الوضع الاقتصادي، وكل معاركها من أجل مصالحها وللعودة الى وضعها السابق والحفاظ على دورها الدولي. وعلى صعيد آخر فشلت إيران في سورية ولم تستطع القضاء على المعارضات المتنوعة التي حاصرت سلطة الأسد في 20 في المئة من الأرض السورية وتعثرت هيمنتها في العراق وهي غير حاسمة في لبنان وربما تندثر في اليمن وهنا تدخلت روسيا بقوة عسكرية، تحديداً بسبب انكفاء (أو اتفاق) أميركا وتلكؤ تركيا وتضخيم «داعش» وتطمين إسرائيل ( بعد زيارة نتانياهو «الممانع» والقابل بالممانعة ضد الشعب السوري لحماية سلطة الأسد...الخ)، فتقدم بوتين وقال: الأمر لي، مقابل الإبقاء على قاعدته البحرية في طرطوس وبناء قاعدة برية واستمالة ضباط كثر من الجيش، في محاولة لإنشاء منطقة عازلة في سورية تمتد من حدود تركيا مروراً بالساحل السوري وصولاً الى الحدود اللبنانية وتضم العاصمة. وقد رأينا زيارات عربية الى روسيا وأميركا للقبول بنوع من «الحل» بموافقة إسرائيل التي لا تريد تحويل سورية الى منطقة تهدد استقرارها إذا تخلت عن بشار الأسد. ويبدو تاريخ روسيا و(الاتحاد السوفياتي) فاضحاً في مساعدة انظمة الاستبداد بأشكالها الدينية والأمنية، وطريقها الذي سلكته وما زالت الى السيطرة تتم عبر التدمير والهيمنة، علماً أنها قاصرة وعاجزة عن تبني سبيل - إمكانية البناء، لأن قرارها كنظام استبدادي - قيصري هو الهدم والعداء والسيطرة. وفي حين مهدت الليبرالية الأميركية عبر الحداثة الطريق الى إنتاج الديموقراطية أم العلمانية والعقلانية والواقعية والمساواة والفرص للجميع...الخ. فإن روسيا تدمر ولا تبني وتعطل ولا تسهل وتعرقل الحلول الإيجابية، خصوصاً في بلادنا. وهي تقوم بالهجوم العسكري لتدمير الشعب السوري، المماثل لشقيقه الفلسطيني، وتقضي على المجتمعات المدنية التي تسعى الى بناء الدولة الديموقراطية، الهدف الذي تعاديه روسيا من أجل الحفاظ على الاستبداد بأشكاله المختلفة. وهذا كله لا يؤهلها لأن تكون دولة مزاحمة فكيف بالعودة الى مجد الاتحاد السوفياتي.     * كاتب لبناني مقيم في فرنسا

مشاركة :