أكد الناقد والأكاديمي والباحث اللغوي الدكتور معجب العدواني على أهمية وضع الناقد نفسه في منطقة حرة بعيدًا عن 3 دوائر وهمية تتمثل في الرقيب والناقد والجمهور، وأن يعمل وفقًا لمبادئه وقناعاته، وأبدى أسفه لوجود شروخ للآن في الثقافة المحلية نتيجة اختلاف الأدوات المستخدمة في التعاطى مع النصوص في السابق، وشدد في حوار خاص لـ »المدينة» على أن التسامح مبني على قبول الاختلاف، الذي يرسخ بوصفه طبيعة بشرية وثقافية لا يمكن إنكارها، وأشار إلى أن النشر(المنفلت) مشكلة قديمة حديثة، لا مجال لخلق ضابط لها، لكن التراكم الكبير سيكون كفيلًا بإبراز أعمال جادة، وقال: إنه من المبكر الحكم على تجربة إدخال التفكير الناقد كجزء من المقرر الدراسي، مشيرًا إلى أهمية دور المعلم والمناهج الدراسية، فإلى نص الحوار.. 3 دوائر وهمية * من يسيطر عليك لحظة الكتابة؟ الرقيب.. الناقد.. أم جمهور المعجبين.. ولم؟ - ينبغي أن يتباعد الناقد عن آراء تلك المجموعة، وأن يعمل وفقًا لمبادئه وقناعاته، التي قد يكون لهذه الأنماط الثلاثة تأثيرها المسبق فيه، ومن اللازم أن يحاول الناقد وضع نفسه في منطقة حرة لا تتأثر بما هو سابق أو لاحق. اعتدت منذ زمن بعيد أن أتخلص من تلك الدوائر الوهمية الثلاثية السابقة، والمتمثلة في رقيب أو ناقد أو جمهور، ولكن الجميع قد يتضامنون في صورة موحدة حين أريد الكتابة عن أمر ما، لتتجلى في صورة الرقيب الداخلي، الذي قد يكون من مهامه احترام حريات الآخرين، لكنه يزعجني ويؤثر في كتابتي عندما يستفزني بالإيحاء بغياب الجدوى من الكتابة عن موضوع ما، وكلما زاد إيحاؤه تعالت مقاومتي الراغبة بإثبات جدوى ما لدي، ذلك أن الناقد ينبغي أن يتباعد عن انتظار آراء هؤلاء، وفي كل أحواله يمكن أن يستثمر في ما يقدم جديدًا، ويضيف نفعًا. الخفة والسرعة والمنتج الإبداعي * الأجهزة الذكية علمت الأصابع «الثرثرة» فمتى نعيد لأسماعنا الرصانة والأدب الرفيع؟ - أعتقد أنه لا مجال في عصرنا الحالي لاستعمال (متى)؛ إذ يبدو أن الحنين يؤطر هذا السؤال، مع اتفاقي الكبير معك في ارتباط الرصانة مع منظومة الأدب الجاد، لكن الانتقال الكوني من الشفاهية إلى الكتابية قد علّمت أصابعنا الثرثرة لمزيد من ترسيخ ذلك البعد الكتابي، ومن ثم بدا أن الخفة والسرعة مكونان يلامسان المنتج الإبداعي في تطبيقات متباينة. القابض على الأدب * الأدب همسة روح تصل الغمام لتنتظر الهطول، فهل الإمساك به كالقابض على جمرة؟ - أعجبني هذا التعبير المتعالي في تعريف الأدب، نعم يظل الأدب متنفس الأرواح وملتقاها في سبيل الوصول إلى ما يثريها ويمتعها ويقودها إلى محاولات الكمال؛ ولهذا أرى أن القابض على الأدب كائن يتلذذ بتلك الجمرة ويستمتع بها، ولو كلفته كثيرًا، ومتى غاب الاهتمام به على مستوى الفرد أو الجماعة فإن ذلك علامة من علامات خواء الروح وتراجعها. النشر المنفلت * انفتاح النوافذ والبوابات هزم شروط النشر.. مَنْ يضبط الإيقاع المنفلت؟ وكيف؟ - تظل مشكلة النشر(المنفلت) مشكلة قديمة حديثة، لا مجال لخلق ضابط لها، وطالما كان إيقاعًا فمن الصعب أن نصدر الأحكام القاسية تجاه المنتج الجديد، لكن هذا التراكم الكبير سيكون كفيلًا بإبراز أعمال جادة، ولو قلّت، وطالما كان الجيد نادرًا فهذا ما نطمح دائمًا إلى الوصول إليه؛ ووفقًا لهذا سيكون لهذا التراكم الكبير وظيفة ما، تتصل بإبرازه غير الواعي للأعمال الإبداعية المتميزة، كما قال الشاعر: ونذيمهم وبهم عرفنا فضله وبضدها تتبين الأشياء التفكير الناقد * التفكير الناقد صار جزءاً من المقرر الدراسي.. أي أثر ننتظر؟ - لا تزال التجربة مبكرة للحكم على هذا المقرر الذي سعدنا به، وننتظر كثيرًا من هذه الخطوة الأولية أن تدعم بخطوات فاعلة ودائمة على مستوى الطالب أو المعلم أو الكتاب؛ ومن ذلك تشجيع الطالب على ذلك، وتهيئة البيئة المناسبة، وبدعم المعلم، وأن ترسخ بصورة أفضل في مقررات التعليم العام، حتى يكون أثرها واضحًا في علاقة الطالب بما حوله. * هل الحب ثقافة أم مشاعر؟ - الحب هو هذا وذاك؛ مشاعر تقود إلى ثقافة، فإن كان في سياقه العام المتصل بالوعي فهو ثقافة، وإن كان في سياقاته الخاصة فهو مشاعر فردية ترقى إلى المستوى الجمعي، ولعل ما يؤطره هنا وهناك وعي وثقافة يستندان إلى أسئلة ثلاثة: من نحب؟ وكيف نحب؟ ولماذا نحب؟ ويتراوح تعامل الفرد أو الجماعات مع تعريفه وفقًا لهيمنة إجابة واحد من الأسئلة السابقة على السؤالين الآخرين. * في ظل التباين بين نقيضين القديم والحداثي كيف نستطيع الإمساك بطرفيهما؟- أعتقد أننا كلنا حداثيون؛ إن وضعنا كلمة الحداثي مقابل القديم، فمن المستحيل أن تنقل إبداع كاتب أو نقده إلى عصر يسبق عصره، ما يمكن جلاؤه في هذا أن هناك أدوات قديمة وأخرى حديثة، يجري التعامل بها مع النصوص، وتقود إلى هذه العلاقة الملتبسة بينهما التي رسخت في ثقافتنا المحلية نتيجة بعض الاتجاهات والعوامل التي لا طائل من ذكرها، لكنه تتفق في كونها نجحت في حينها في إحداث شروخ لاتزال آثارها حتى اليوم. التسامح والاختلاف * التسامح مع الآخر اختلاف، والتضاد بينهما تصالح، متى نمسك خطام المحبة ونسرحه بالجمال؟ - الاختلاف لا يتعارض مع التسامح؛ فالتسامح مبني على قبول الاختلاف، الذي يرسخ بوصفه طبيعة بشرية وثقافية لا يمكن إنكارها؛ لذا كان إبداء مساحات التسامح بقبول تياراته، ولا تعارض حينذاك مع المحبة والجمال، فإن تحول إلى خلاف فإن ذلك يعني اجتياز الإطار السابق، وكسر تلك الأبنية والدعوات التي رسختها الثقافة الكونية في إطارها الإنساني. * متى نرى الثقافة غير مقبوض عليها بسلاسل الرقيب؟ - التخلص من قيود الرقابة جزء من المهام التي تضطلع بها الثقافة، الرقيب رفيق الظل الكوني للثقافة، التي تصبح بهذا المعنى إن استطاعت كسر حدوده، هي كالمظاهر المدنية التي تجتاز يوماً بعد يوم غابات التخلف واليأس والمعاناة، لقد تناولت ذلك جزئيًا في كتابي المنشور في عام 2015م، بعنوان «رماد الكتب: الأنساق الخفية في ثقافتنا». * هل النهل لفلذات أكبادنا من الشارع ثقافة؟ وكيف ننمي فيهم لحظة الإبداع؟ - يمكن للإنسان في جميع مراحله أن ينهل من بيئات مختلفة، والشارع بالمعنى الثقافي إحدى تلك البيئات المهمة التي تضم مناهل جمالية ثقافية، تستثمر بصورة جادة من أمانات المدن، ومن أمثلتها الأبنية والمجسمات والجداريات والحدائق والإعلانات وغيرها كثير، على سبيل المثال: فإن التأمل في رمزية بعض تصاميم المباني وانعكاسات ذلك وتياراته درس جمالي متقدم؛ لنأخذ مثالًا لذلك مبنى وزارة الداخلية في المملكة، الذي يقود إلى فكرة الهرم المقلوب، ويشير رمزيًا إلى عناية واضحة من القيادة واهتمام كبير بالشعب بوضعه في الأعلى، وذلك من تطبيقات ما بعد الحداثة، ومثل ذلك نلحظ الاتجاه الجمالي البين في محطات القطارات في مدينة الرياض ومعهد الملك عبدالله للدراسات البترولية التي صممتها العراقية الشهيرة زها حديد، وفي جدة أسهم فنانون سعوديون وعالميون في تصميم مجسمات جمالية ميدانية، منهم: عبدالحليم رضوي والفنان الإسباني خوليو لافونتي، والنحات البريطاني هنري مور، ومواطنه خوان ميرو، والنحات الفرنسي سيزار بالدتشيني، والإيطالي فيكتور فازرللي، وغير ذلك كثير في جميع مدن المملكة؛ لهذا وذاك ما نحتاج إليه فعلًا هو تنمية التربية الجمالية لدى النشء، ومضاعفة جهود ترسيخ الأبعاد الثقافية للمدن والمحافظات. الموضوعية والشللية * هل النقّاد اليوم للأدب باتوا موضوعيين أم شلليين وينعكس ذلك على المبدعين الحقيقيين: شعراء، قصاص، روائيين؟ - لن أتمكن من وصف مجموعة بوصف إيجابي أو سلبي؛ ذلك أنني أعتقد أن النقاد يتبنون الموضوعية في كتاباتهم، ويتباعدون عن (الشللية)، بصورة أخرى يظل العمل الإبداعي المحفز الأول الذي يدفع الناقد إلى الكتابة، وهنا تتنوع أسباب ذلك التفاعل، فقد يلامس العمل منطقة مناسبة، وقد يتماس مع تجربة معينة، وقد يكون العمل مناسبًا للتناول ضمن مجموعة أعمال؛ ليظل الأمر علميًا يتخذ صفة الثبات، ولا علاقة له بميول عاطفية تتخذ صفة التغيير. السيرة الذاتية الاسم: معجب سعيد العدواني تاريخ الميلاد: 1962 مكان الميلاد: الباحة الشهادة التعليمية: دكتوراة الإنتاج الإبداعي والعلمي: • تشكيل المكان وظلال العتبات، نادي جدة الأدبي، جدة، ط1، 2003م. • الكتابة والمحو: التناصّيّةفي أعمال رجاء عالم الروائية، دار الانتشار العربي، بيروت، ط1، 2009م. • مرايا التأويل: قراءات في التراث السرديّ، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2010م. • أنموذج القتال في نقل العوال، أحمد بن أبي حجلة التلمساني، (تحقيق وتقديم)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2012م. • نزهة أرباب العقول في الشطرنج المنقول، يحيى بن عبدالله الحكيم، (تحقيق وتقديم)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2012م. • التشكل والمعنى في الخطاب السرديّ، (تحرير)، دار الانتشار العربي ووحدة أبحاث السرديّات، بيروت، 2013م. • الموروث وصناعة الرواية: مؤثرات وتمثيلات، منشورات ضفاف، بيروت، 2013م. • الخطاب السجاليّ في الثقافة العربية: مقاربات تأويلية، بالاشتراك مع د. ضياء الكعبي، دار الانتشار العربي، بيروت،2014م. • السرديّات الشعبية العربية: التمثيلات الثقافية والتأويل، بالاشتراك مع د. ضياء الكعبي، دار الانتشار العربي، بيروت، 2014م. • رماد الكتب: الأنساق الخفية في ثقافتنا، دار الانتشار العربي، بيروت، 2014م. • مفهوم (العامة) في الحضارة العربية الإسلامية: تحليل ثقافي مقارن، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، 2015م. • إعادة كتابة المدينة العربية في الرواية الغربية، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، 2018م. • القراءة التناصّيّة الثقافية، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، 2019م. • السرد في كتاب «التيجان»: الآليات والوظائف، دار جامعة الملك سعود للنشر، الرياض، 2020م.
مشاركة :