رغم أنها تنتمي للطائفة المسيحية التي لا تبيح الطلاق تقول ناديا البالغة من العمر ستين سنة إنها لم تعد تحتمل الاستمرار بالزواج بعد 35 سنة كانت خلالها على خلاف دائم مع زوجها الذي لم يكن يقدر تعبها بتربية الأولاد ووقوفها إلى جانبه في السراء والضراء. أما سبب انفجار الأزمة مع زوجها فتقول: «زوجي رجل أعمال ووضعنا المادي أكثر من جيد، لكن منذ اندلعت الأحداث الدامية في سوريا خسر كثيرا من المشاريع، وأعماله شبه توقفت فبدأنا ننفق من المدخرات، وهو ما تسبب له بأزمة نفسية انعكست على علاقتنا فزادت الشجارات، وتفاقمت الأمور بعد هجرة الأولاد خارج البلد وبقائنا وحدنا». وتضيف ناديا التي تعيش في حي القصاع المسيحي في العاصمة دمشق «كنت أتمنى لو لم أستمر بهذا الزواج كل تلك السنوات ولكن قبل 30 سنة لم يكن الطلاق مقبولا في مجتمعنا، لكن اليوم، وخصوصا في السنوات الأخيرة، يبدو الأمر وكأنه بات عاديًا ويحصل كثيرا رغم صعوبة وتعقيد إقراره بالكنيسة». مصدر في محكمة روحية كنسية في دمشق قال معلقًا إن حالات الطلاق بين المسيحيين ازدادت كثيرا في السنوات الأخيرة «رغم القيود الصعبة والمعقدة التي تفرضها الكنيسة إذ تستغرق إجراءات الطلاق سنوات عدة، وذلك لأن الزواج يعد أحد أسرار الكنيسة، ووفقا لما ورد في إنجيل متى الإصحاح الخامس الآية 21: إن من طلق امرأته إلا لعلّة الزنا يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني». وتابع المصدر أن الزواج الكنسي علاقة أبدية «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان»، فهو عقد غير منحل لذلك من الصعب الحصول على الطلاق. ولقد قيّد القانون الكنسي حق الطلاق بعدة قيود لكن لم يصل إلى إلغائه، ولكن في العقود الأخيرة ظهرت تسهيلات كفسخ الزواج أو الهجر. كما تسمح كنائس بروتستانتية بالطلاق التوافقي بين الشخصين. وعن المشكلات التي تؤدي إلى إطلاق شرح المصدر «غالبيتها ناتجة عن التأزم النفسي وغياب القدرة على التسامح وضعف الإيمان والورع، وتفشي الانحلال الأخلاقي في المجتمع» لافتًا أن «ذلك من الطبيعي تناميه أوقات الحروب والأزمات». ويعبر أبو بشير (80 سنة) عن سخطه لازدياد حالات الطلاق لدى الطوائف المسيحية بشكل كبير، قائلاً: «فقبل عقود كان الطلاق يعتبر حدثًا جلل أعظم من الموت، أما الآن فقد صار عاديا». وأوضح أن في عائلته الكبيرة حصلت أربع حالات طلاق العامين الماضيين «وكأن الأمر عدوى»، ورد السبب إلى ضعف التربية والأخلاق وانعدام «الصبر»، متابعًا «أمهاتنا كن صبورات قانعات وعلى استعداد للتنازل والتضحية في سبيل الحفاظ على البيت والأولاد.. أما اليوم فنرى الرجال والنساء ليس لديهم أي استعداد للتضحية من أجل البيت والأولاد، وهم يطلبون الطلاق والانفصال لأتفه الأسباب بزعم عدم الاضطرار لعيش حياة تعيسة». وفي حين تغيب الأرقام والإحصائيات لحالات الطلاق لدى الأقليات المسيحية في سوريا، كونها تجري في المحاكم الروحية التابعة للكنائس، كشف القاضي الشرعي الأول في مدينة دمشق محمود المعراوي، عن تسجيل ثمانية آلاف حالة طلاق في عام 2015 في دمشق وحدها، وعزا المعراوي أهم أسباب حالات الطلاق بين المسلمين خلال السنوات الأخيرة إلى «الوضع الاقتصادي وما نتج عنه من فقدان كثير من العائلات لمنازلها ورفض كثير من الزوجات للعيش مع عائلات أزواجهن أو في مساكن أدنى مستوى من التي كن يعشن فيها قبل الأزمة». وبحسب قاضي دمشق الشرعي «العامل الثاني الطاغي والأخطر هو الخيانات الزوجية المكتشفة من قبل الأزواج أنفسهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الذي يؤدي انتشارها واستخدامها السلبي إلى التفكك الأسري». وقدرت مصادر قضائية سورية عدد الدعاوى المتعلقة بالخيانة الزوجية بنحو 6 آلاف دعوى في سوريا عموما. وفي تصريحات صحافية قال ماهر العلبي، المحامي العام في ريف دمشق، إن «معظم الدعاوى التي ترد إلى المحكمة تكون عبر ضبوط منظمة من الشرطة وقسم منها يدعي الزوج على الزوجة وبالعكس». وأردف أن فعل الزنا هو من «أبشع الجرائم المتعلقة بالخيانة الزوجية، ولذلك فإنه من الطبيعي أن ينظر له القضاء نظرة مشددة للحفاظ على الأسرة الزوجية والمجتمع بشكل عام». وبحسب أرقام قضائية رسمية أن بين الدعاوى الـ6 آلاف نحو ألفي دعوى في عدليّتي دمشق وريفها في حين سجلت محافظة حلب نحو ألف دعوى خيانة زوجية. وبالنسبة للمحافظات الأخرى بلغ عدد الدعاوى المنظورة في محافظة اللاذقية نحو مائتي دعوى، وفي محافظة طرطوس نحو 150 دعوى، وفي محافظة حمص أكثر من 500 دعوى، وفي محافظة درعا نحو مائة دعوى، بينما لم تتجاوز في محافظة السويداء 50 دعوى، كما لم تسجل في محافظة القنيطرة إلا 4 حالات فقط خيانة زوجية. وبحسب تقارير حكومية هناك عدد لا بأس به من الدعاوى تتضمن ادعاء الزوجة على الزوج أنه تزوّج عليها بشكل سري ودون علمها، معتبرة أن هذا الفعل يندرج ضمن الخيانة الزوجية؛ لأن ذلك سبب ضررًا كبيرًا للزوجة. ووفق القانون السوري فإن من حق الزوجة في هذه الحالة رفع دعوى طلاق في المحكمة إلى جانب ادعائها على الزوج أمام محكمة بداية الجزاء، حيث يعتبر قانون الأحوال الشخصية زواج الزوج على الزوجة فيه نوع من الشقاق والضرر، ومن ثم أصبح من حق الزوجة رفع دعوى تفريق. وقدرت المصادر عدد دعاوى الشقاق والضر على الزوجة وبما في ذلك الزواج عليها بـ3 آلاف دعوى في دمشق وريفها من أصل 8 آلاف دعوى، معتبرة أن مثل هذه الدعوى يكون الحق فيه على الزوج بشكل كبير وتحصل المرأة على جميع حقوقها في حال ثبت صحة ادعائها أمام القضاء. من جانب آخر، أنتج الوضع الاقتصادي وتدهور قيمة الليرة السورية (400 ليرة تعادل دولارا واحدا) مشكلة جديدة أمام الراغبين بالطلاق، تتعلق بالمهر المكتوب بالليرة السورية، ويسخر أبو أنس (60 سنة) لدى ذكره مبلغ المهر الذي كتبه لزوجته قبل ثلاثين سنة والتي تطالبه اليوم بالطلاق فيقول: «أنا ليس لدي مشكلة.. المقدّم عشرة آلاف ليرة والمؤخر خمسة عشر ألف ليرة، أي خمس وعشرين ألف ليرة أي نحو ستين دولار!!». هذا، واعتبرت مصادر قضائية سوريا أن ذلك إجحافا كبيرا بحق المرأة، وهو ما دفع القاضي المعراوي في مدينة دمشق إلى التقدم باقتراح إلى وزير العدل من أجل تعديل القانون الصادر في عام 1940 والذي يمنع التعامل بالذهب في التعهدات المدنية والتجارية، وذلك من أجل المحافظة على حقوق المرأة بالمهر. ويقضي الاقتراح بحسب نص الرسالة الموجهة لوزير العدل والتي نشرت في وسائل إعلام محلية «استصدار تشريع يستثني المهر في عقود الزواج من قانون منع التعامل بالذهب، ويسمح بالاتفاق على المهر بالليرات الذهبية، وذلك حفاظًا على حقوق المرأة في مهرها ورفع الضرر الواقع عليها». ويقول المعراوي في رسالته إن «القوة الشرائية للعملة المتداولة مستمرة بالانخفاض ما أحدث ويحدث خللاً في الحقوق والالتزامات ويجعل ميزان العدالة يهتز بشكل غير مألوف، حيث فقد المهر المتفق عليه في عقود الزواج السابقة كل غاية مرجوة منه».
مشاركة :