خالد حناوي المشرف على القسم الفني بالجريدة أيام ويطل علينا شهر الخير والرحمة والمغفرة .. شهر رمضان المبارك. نسأل الله العلي القدير أن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يعيده علينا وعليكم أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة. في هذا الشهر الفضيل، لكل منّا ذكريات جميلة عبقة لا تُنسى .. سواء عبر مناسبات عشناها. أو من خلال أحياء كنّا نقطنها. أو شوارع كنّا نتجوّل بها. فعلى سبيل المثال، الحي الذي كان يسكنه كاتب هذه السطور منذ خمسة وأربعين عامًا .. السبيل، وتحديدآ (المحروقات) ، أكبر جزء يتبع للسبيل آنذاك … كان لي بهذا الحي ذكريات لا تُنسى .. فهذا الحي مرتع صباي، فضلًا عن كونه حيًا عريقًا، تاريخيًا. وهناك مناطق وشوارع رئيسية، ارتبطت لدى الكثير من أهل جدة بذكريات غالية لا تُنسى .. كمنطقة البلد، وشارع قابل، وحارة البحر وغيرها من الأماكن العتيقة. على سبيل المثال: كان شارع قابل ملتقى للكثير من أهالي جدة، لتميزه التجاري، وتوفّر الاحتياجات الهامة به، من مأكل ومشرب وملبس .. ومازال هذا الشارع والأسواق المجاورة له، كالندى والخاسكية يحتفظون حتى وقت قريب بمكانتهم التجارية، رغم التوسع والتطور الذي حل بجدة، وانتشار الكثير من المحلات والأسواق الكبيرة. أيضًا من الذكريات أو الأمور التي لا تُنسى .. أصحاب الدواوير .. الباعة المتجوّلون الذين كانوا يضعون بضاعتهم أمام أصحاب الدكاكين، دون منعهم من أصحاب الدكاكين، مما يدلّل بأن النفوس كانت طيبة جداً، والقلوب رحيمة بشكل لا يوصف … لا حسد ولا حقد. كان الباعة يعرضون بضاعتهم، الكنافة والقطايف والتمر. وتنطلق من أفواههم النغمات الموسيقية بعد صلاة العصر، فتسمع المجرور والمجسّات، وتتحول الشوارع والأسواق إلى مسرح، به الطرب والنغم الشجي والكلمات الجميلة المعبّرة لهذه المناسبة الجليلة … فيأتي الترحيب بالشهر الفضيل من خلال: يا مرحبا بك يا رمضان . يا هلا بشهر التوبة والغفران . ويرد آخر مِن الباعة: يا صائم قوم أطلب الحي الدائم . يا صائم قوم شوف عندي النعايم . ومن المعروف أنه قبل دخول شهر رمضان، يقوم الكثير بالتجديد، من خلال شراء الصحون والمعالق والزبادي، استعدادًا للشوربة والسمبوسك والفول والحلى 😊 فيتردد ترحيب الباعة، عبر أنغام مختلفة، وأصوات، أغلبها جذّاب وشجي قوم ألحق الغنايم يا صائم . شوف القطايف هنا يا صائم . شوف الكنايف هنا يا صائم . الله وليّك يا صائم . وحتى بائع البليلة، الأكلة الشعبية المعروفة التي كانت تظهر في رمضان بشكل خاص، وفي أماكن ومواقع معينة. أقول حتى بائع البليلة كان من حقه الترحيب 😊 برمضان، وبالصائمين، فيقول: يا بليلة بلّلوكي سبع جواري خدموكي . ذكريات مصبوغة بمأثورات شعبية لطيفة، أحببت سردها وكم أتألّم ويتألّم غيري اليوم، لتوقف إفشاء التهنئة برمضان أو العيد، عبر زيارة أو اتصال، بعد أن حلّت وسائل التواصل، وباتت تقوم بالمهمة في نشر التهاني، فأصبحت كلمة: كل عام وأنتم بخير محصورة عبر برامجها، وعبر وسيلة روتينية ساذجة (نسخ ولصق). مما جعلنا نفتقد سماع التهاني (صوتيًا أو بشكل مباشر) في الليلة التي تسبق إطلالة رمضان، والأعياد ؟ .. بإستثناء تداولها من قبل الأبناء تجاه والديهم، من خلال الزيارات الواجبة والحتمية لهم لقد أخذتنا الحضارة، ومزّقت بعض عاداتنا الأصيلة.
مشاركة :