الإرهاب والتطرف.. وجهان لعملة واحدة

  • 2/7/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أحداث مسجد محاسن في الأحساء تعيد إلى الأذهان حقائق نعرفها، ولا نتذكرها إلا عندما تحدث مثل هذه العمليات الإرهابية التي تهز المجتمع، وتقلق الوطن من أدناه إلى أقصاه، وأول هذه الحقائق وليس آخرها هو التطرف الذي يقود إلى الشحن والحشد المذهبي، وهما عاملان لزيادة الضغط على الوضع الاجتماعي حتى ينفجر ويكون ضحاياه الأبرياء الآمنين. وتنتج عن هذا الانفجار يقظة آنية، وردود فعل عاطفية، تستجيب للحدث وتتفاعل معه بشكل تلقائي، يتمثل في الإدانة والشجب ومواساة أهالي الشهداء. وفي هذه الظروف تقوم الجهات الأمنية بواجباتها خير قيام في مكافحة الإرهاب وإنزال العقاب الصارم بمرتكبيه، وتعقب مصادره؛ لتجفيف منابعة على أكثر من جبهة، ومع ذلك تتكرر الأحداث المأساوية بالتفجير في المساجد، وقتل الأبرياء، في صورة نمطية مأساوية تستمد جذورها من التطرف والغلو والإصرار على احتكار الدين، وكأنه بضاعة تخضع للعرض والطلب، حسب ظروف سوق المصالح للدول أو الأفراد المتاجرين بهذا الدين، وهي ظروف تتفاقم وتقود العالم إلى طريق مظلم تنعدم فيه الرؤية الواضحة للدين ومقاصده في إشاعة الأمن والسلام بين البشر. ومن السهل إزاحة المسئولية على نظرية التآمر الاستخباراتي الأجنبي الذي أصبح شماعة نعلق عليها خطايانا التاريخية والراهنة التي قادت إلى هذه الحوادث الإرهابية، وأخطر هذه الخطايا التي تقود للإرهاب هو التطرف، فطريق التطرف لا نهاية له سوى الإرهاب، لأن هذا التطرف يلغي كل وسائل الفهم الصحيح للتعاطي مع الواقع، ويحيد العقل ليصبح الفعل العاطفي بعيدا عن سيطرة الوعي بمخاطر التطرف، وعندما يغيب الوعي عن أي قضية، فإنها تصبح قضية خاسرة في مهب رياح الجهل والتمذهب واحتكار الدين، ولا شك أن احتكار الدين من قبل فئات لا تعرف مقاصده، هو كارثة ابتليت بها مراحل كثيرة من تاريخ المسلمين، مراحل دموية يصعب تصورها أو التسليم بإمكانية حدوثها، وسجل تاريخ المسلمين حافل بالحوادث العجيبة والغريبة من التطرف المؤدي إلى الإرهاب. مأساة المآسي أن ترتكب هذه الجرائم باسم الدين، فالإرهابي يردد اسم الله في لحظة ارتكاب الجريمة، دون أن يطرف له جفن، أو تهتز من جسده شعره، غير مدرك لخطورة أن يقدم الإسلام في هذه الصورة الدموية، رغم ما تعنيه روح الإسلام من سلام، فالمسلم من سلم الناس من شره وأذاه وظلمه وعدوانه. ومن وصايا المولى عز وجل: «لا تغلوا في دينكم»، وينسى الإرهابيون قوله تعالى: «إنما المؤمنون أخوة» وليسوا أعداء يتحينون الفرص للبطش ببعضهم، إنما «بعضهم أولياء بعض» في سراء الحياة وضرائها، وفي الحديث «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» لا أن يكون المؤمن سببا في تداعي جسد الأمة بالتطرف والإرهاب. حادث «محاسن» قدم دليلا جديدا على تكاتف أبناء هذا الوطن الغالي أمام أي حدث جلل، وحرصهم على التعايش في ظل وطن واحد ودين واحد، وإن تعددت المذاهب واختلفت الرؤى، فإن حب الوطن يظل قاسما مشتركا بين كل المواطنين، والأحساء كما بقية مدن بلادنا واجهت هذه الحدث الجلل بروح الإيمان ومبدأ التعاون على درء الأخطار المحيطة بالبلاد والعباد، فلا منجاة من الإرهاب إلا بمثل هذا التلاحم الفريد بين أبناء هذا الوطن وتمسكهم بالوحدة الوطنية، ودفاعهم عن المكاسب والإنجازات الوطنية التي شاركوا في بنائها؛ من أجل حاضر ومستقبل الأجيال الجديدة من أبنائهم وأحفادهم. رحم الله شهداء محاسن، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

مشاركة :