أشرنا في مقالتنا السابقة إلى أنه عندما نتحدث عن تأسيس لوبي سعودي، فإننا ننطلق من فكرة مركزية تتمحور حول أهمية تعزيز مكانة المملكة، وتفعيل دورها على الساحة الدولية تحقيقا لمصالحها الإستراتيجية، لوبي سعودي يكون نموذجا لعمل سياسي ودبلوماسي سعودي مؤثر في صعيد العلاقات الدولية. ذلك هو الهدف الأساس لإطلاق لوبي سعودي معاصر وفعال. وشرحنا في المقالة أيضا شيئا من التفاصيل ذات العلاقة باللوبي، تاريخه، وأهم ملامحه، وحجمه، وتأثيراته، ودوافعه، ودوره المحوري في الحياة السياسية. كما أشرنا إلى، كيف يؤثر اللوبي في القيادات السياسية، عبر وسائله وأدواته المختلفة. ولا يخفى على المتابع والمراقب للعلاقات السعودية - الأمريكية، بأنه للوبي السعودي تجارب في البيئة الأمريكية، تمثلت تجليات إحدى تجاربها الثرية في نجاح التفاوض السعودي - الأمريكي حول طائرات الاواكس، إبان عمل سمو الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفيرا في واشنطن. وهو النجاح الذي كسر سطوة اللوبي اليهودي على السياسات الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط آنذاك. فقد نجحت المملكة من خلال تلك التجربة في الحصول على طائرات الاواكس، رغم معارضة اللوبي الإسرائيلي الشديدة. ويمكن القول إن نجاح الصفقة قد استند إلى إعداد المملكة وبشكل «منظم» جدا لإستراتيجية عمل متكاملة، ساعدتها على ان تجمع دعما جماهيريا وصف بأنه أكبر من ذلك الدعم الذي تمكنت إسرائيل من حشده. ووفقا للموقع الإلكتروني الأمريكي «ذا هيل» فإن نجاح المملكة، يعود أيضًا لعاملين أساسيين: أولهما، التواصل مع الشركات المصنعة للاواكس، ومع النقابات العمالية المرتبطة بها. وثانيهما، هو موقف الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، الذي كان يحظى بتأييد جماهيري واسع، والذي صور اقتناء المملكة للاواكس على أنه جزء من الإستراتيجية الأمريكية لتحجيم النفوذ السوفياتي. وفِي هذا الصدد، فلقد كانت هناك ولا تزال جهودًا سعودية، تعمل على التأثير في الرأي العام في أماكن مختلفة في العالم، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، إلا أن ذلك الجهد، ظل جهدًا موسميًا، أو وفق أزمات وقتية، ينتهي جهد اللوبي بعدها، وهو أمر يؤكد الكاتب، أنه يتطلب إعادة نظر. وحقيقة الأمر، إنه على الرغم من جهود المملكة الدبلوماسية في توطيد علاقاتها بالمجتمع الدولي، إلا أن ضرورات تعزيز هذه الجهود، وخاصة في ظل استمرار «صعود» المملكة في السنوات الأخيرة، باتت تطرح على المعنيين بالعلاقات الدولية، والمهتمين بتعزيز مكانة المملكة، العمل على ابتكار أشكال جديدة من العمل، والتي يأتي على رأسها التأسيس للوبي سعودي فاعل ومعاصر، «إسهاما» في تثبيت مكانة المملكة وتأكيدها في كافة مجالات العمل الدبلوماسي الدولي. وفي هذا الإطار، فإن المشاركة المجتمعية في الدبلوماسية السعودية الدولية، بحاجة «قصوى» إلى أداء مجتمعي مؤسسي يخدم الأداء الرسمي، وإن تم في أطر منفصلة عنه، إلا أنه لن يعملَ بمعزل عنه، بل سيعمل بتكامل معه. وسوف تؤدي مثل هذه الشراكة الرسمية الأهلية المجتمعية، إلى توسيع «أشكال، وأدوات، وآليات، وقدرات» الدبلوماسية السعودية الرسمية، وتوثيق علاقاتها بالمجتمع الدولي، من خلال أدوار قد «لا تستطيع» الدبلوماسية التقليدية أن تؤدّيها. ونختم بالقول بأن هناك فرصاً واعدة أمام بناء لوبي سعودي، لوبي يستخدم كل ما يتيحه العصر من أدوات وآليات غير مسبوقة، ولغات اتصالية حديثة، وتقنيات واسعة للتواصل بأطراف المجتمع الدولي التي سيسعى اللوبي السعودي للحوار معها.
مشاركة :