مخرجات الدورتين السنويتين في الصين

  • 3/21/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لعل من نافلة القول، إن للصين موقعها ومكانتها الجيوستراتيجية في التفاعلات الإقليمية والدولية التي برزت خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وبطبيعة الحال، جاءت هذه المكانة بفعل انغماسها ودورها الإيجابي والمؤثر لحل القضايا والمشكلات العالمية، فضلا عن كونها عضوا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومنظمة شانغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، ومجموعة العشرين والكثير من المنصات والمنظمات الإقليمية والدولية التي لها تأثير إستراتيجي عالمي، كذلك نظرا لثقلها الاقتصادي كونها تحتل مرتبة الاقتصاد الثاني عالميا بعد عام 2010، بحجم احتياطي يبلغ 1ر3 تريليونات دولار أمريكي على سبيل المثال. وعليه، وصلت الصين إلى مرحلة امتلاك عناصر القوة الشاملة التي تؤهلها لأداء دور إستراتيجي مؤثر يمكن أن يغير خريطة وشكل النظام الدولي والانتقال إلى مرحلة التعددية القطبية. اعتمدت الصين في سياساتها الخارجية على مبادئ التعايش السلمي، ومن أهمها الاحترام المتبادل وعدم الاعتداء والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالتالي فإن اندماج تلك المبادئ مع عناصر القوة الشاملة، من المحتوم أن يعكس بظلاله الكثير من الأفكار المبدئية التي تدور حول الأمن والتنمية العالمية، وتحقيق السلم والأمن الدوليين، وهذا السلوك جعل الدول الأخرى تضع في حساباتها الدور والتأثير الصيني في مجمل القضايا. وهذا ما يجعلنا نتابع بدقة وعن كثب وقائع أعمال واجتماعات الدورتين السنويتين للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، لأهمية مخرجاتهما على الساحة الداخلية الصينية والإقليمية والعالمية، كونهما يعقدان في ظل الظروف والأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة والمتغيرة والمعقدة، لاسيما وأن مخرجات هذه الاجتماعات ستحدد السياسات الإستراتيجية للصين بوصفها الدولة الكبرى والمسؤولة خلال السنوات الخمس المقبلة، وما تتضمنه من مبادئ توجيهية، وبرامج تبين الإستراتيجية الصينية في التحديث الصيني النمط، وبناء دولة اشتراكية حديثة، ورؤيتها تجاه الدول الكبرى والقضايا الإقليمية والدولية. إن متابعاتنا تركزت منذ افتتاح الاجتماعات على تقرير أعمال الحكومة، الذي قدمه رئيس مجلس الدولة الصيني السابق، كونه استعرض أعمال الأعوام الخمسة الماضية، وبرؤية قائمة على أساس التقييم والتقويم، للموضوعات والقضايا الاقتصادية في الصين على وجه الخصوص، فضلا عن الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد الصيني بسبب انتشار جائحة كوفيد- 19، ودور قيادة الدولة ومؤسساتها في احتواء الجائحة، ودفع الإصلاح الهيكلي من أجل استقرار الاقتصاد، وتقليص البطالة من خلال خلق فرص عمل لأكثر من 12 مليون شخص والاستمرار في تحقيق سياسة القضاء على الفقر، مع تعزيز الاستثمار والتجارة الخارجية. عليه، نرى أن إجراءات الحكومة الصينية في احتواء المشكلات الاقتصادية والتنموية هي مساع سامية ومعيار أساسي لقوة الدولة والمجتمع الصيني على حدِ سواء، فتلك الإجراءات تأتي في سياق احتواء المشكلات والتحديات، من خلال المعالجات الحقيقية والشاملة في سبيل تعزيز قوة القاعدة والنظام الاقتصادي، ومن ثم توسيع الانفتاح على العالم الخارجي بثبات مع تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري الدولي القائم على المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، كما هو الحال مع مبادرة "الحزام والطريق" الهادفة إلى تعزيز التشاور والتشارك والتنافع بين كل الدول المشاركة فيها، وآثارها التي ستجعل تجارة البلدان المشاركة تزيد بنسبة تتراوح بين 8ر2 و7ر9%، وتزايد التجارة العالمية بنسبة تتراوح بين 7ر1 و6ر2%، وارتفاع الإيرادات العالمية بنسبة تتراوح بين 7ر0% و9ر2%، لاسيما الفوائد والمكاسب المتحققة لبلدنا العراق، والتي جاءت كثمرة للانضمام إلى المبادرة في نهاية عام 2015، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين العراق والصين من 24 مليار دولار أمريكي عام 2016 إلى أكثر من 53 مليار دولار أمريكي في عام 2022، فضلا عن تزايد حجم الاستثمارات الصينية المتدفقة نحو بلدنا والتي بلغت قرابة 30 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2022، بفعل تزايد رغبة الشركات الصينية والتي بلغ عددها أكثر من 60 شركة للعمل في العراق، نتيجة التحسن الكبير في البيئة الأمنية والاستقرار الاقتصادي والمجتمعي هناك، وهذا جاء نتيجة رؤية حكومة جمهورية العراق في تبني سياسات متوازنة لتحقيق المصالح العليا والمشتركة القائمة على أساس تفعيل الشراكات الإستراتيجية مع الدول الكبرى ومن بينها الصين، والانخراط في مبادرتها الإستراتيجية لأهميتها المرجوة على الصعيدين الاقتصادي والتنموي. ومن ضمن اهتماماتنا في تقرير أعمال الحكومة، هو ما جاء ضمن مسألة دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية، والتي تحققت خلال السنوات الماضية، ومنها إثبات الصين دورها الإيجابي تحت قيادة فخامة الرئيس شي جين بينغ، من حيث مكافحة الجائحة ومعالجة التحديات العالمية والقضايا الإقليمية، وإسهامها في تعزيز السلام والتنمية العالميين، كما هو الحال مع منطقة الشرق الأوسط التي عانت وتعاني من أزمات متعددة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي أثمرت المبادرات الصينية تجاه هذه المنطقة، عبر ما تجسد في الدور الصيني الراعي للاتفاق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في بكين، والنجاح الكبير في إقناع الطرفين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية واحتواء المشكلات المعقدة من خلال الحوار والتشاور. وفي سياق متصل، جاء تركيزنا لمخرجات ونتائج اجتماع الدورتين السنويتين، بوصفهما مخرجات لمرحلة جديدة ولها أهمية لا يمكن التغاضي عنها، والمتمثلة في انتخاب رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وإعادة انتخاب فخامة الرئيس شي جين بينغ. وبالنسبة لإعادة انتخاب الرئيس، فهنالك عدة اعتبارات وأبعاد إستراتيجية مرتبطة بذلك، من حيث أن الصين وقيادتها سوف تستمر في تبني تطبيق أفكار شي جين بينغ المتجذرة في أسس النظام والدولة والحزب الشيوعي الصيني، ومن أهمها تقوية الجيش وتنمية الدفاع الوطني الصيني، مع التطبيق الشامل لمبدأ "دولة واحدة ونظامان" في هونغ كونغ وماكاو، وحل مسألة تايوان والتمسك بمبدأ الصين الواحدة، وهو ما تلتزم به حكومة بلادي منذ سنوات عديدة، كونه مبدأ إستراتيجيا غير قابل للنقاش في ضوء علاقات الشراكة الإستراتيجية بين العراق والصين. كذلك فإن استمرار القيادة الصينية، يعني أن الصين سوف تستمر خلال السنوات الخمس المقبلة بنهج سياسة خارجية سلمية مستقلة وبحزم، مع تبني سلوك التنمية السلمية بثبات، والالتزام بمبادئ التعايش السلمي التي تعودنا عليها في علاقاتنا الإستراتيجية منذ أمد طويل، فضلا عن الاستفادة القصوى من مخرجات ونتائج مبادرة "الحزام والطريق" العالية الجودة، ومبادرتي الأمن والتنمية، بهدف تحقيق السلم والأمن الدوليين. وفيما يخص التحديث الصيني النمط، فمن شأنه أن يسهم في التنمية العالمية، بوصفه هدفا إستراتيجيا يرتكز على التنمية السلمية والتعاون المربح، وهذا ما نتطلع إليه في علاقاتنا وسياستنا الخارجية، حيث الرغبة في بناء علاقات إستراتيجية متوازنة تحقق المصالح وتدفع التعاون المشترك إلى مستويات متقدمة خدمة لكلا الشعبين، في مجالات التبادل الحضاري والثقافي والتجاري، وبالتالي فإن ذلك التحديث الصيني له أبعاد إستراتيجية وسياسية وثقافية واجتماعية ليس باتجاه العراق فحسب، وإنما أيضا باتجاه البيئة الإقليمية والدولية، وهذا ما تم التأكيد عليه خلال لقاء رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش القمة العربية- الصينية المنعقدة في الرياض نهاية عام 2022، بقوله "ترغب العراق في الاستفادة من الخبرات الصينية في مجالات متعددة، ونتطلع لتعزيز مبدأ الشراكة مع الصين ضمن مبادرة ’الحزام والطريق‘، ومجالات البنى التحتية، كون أن العراق يمثل ركيزة أساسية من ركائز استقرار المنطقة، وأن التنمية المستدامة وطريق الازدهار الاقتصادي والإقليمي والدولي كان ولا يزال يمر عبر اضطلاع العراق بكل أدواره البناءة على الساحتين العربية والدولية." لذا، نرى أن المشهد المقبل للتعاون العراقي- الصيني خلال السنوات القليلة المقبلة، في ضوء استمرار القيادة الصينية المتمثلة بفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ وطروحاته الهادفة إلى تحقيق التنمية والأمن العالمي من جانب، وتشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة محمد شياع السوداني بعقليتها وتوجهاتها المرتكزة على تبني سياسات متوازنة تحقق الشراكات الإستراتيجية مع الدول الكبرى لاسيما تجاه الصين من جانب آخر، سيكون مشهدا قائما على السعي لترسيخ الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين العراق والصين للمرحلة الجديدة خدمة لشعبي كلا البلدين، باعتبار أن القيادتين لهما عقلية منفتحة ومتجددة في الفكر والقيادة والإستراتيجيات، وبالتالي سوف نرى المزيد من تفاهم العقليات والطروحات في فضاء مشترك، بهدف تعزيز المواقف والرؤى على الصعيد الثنائي والمتعدد الأطراف، فضلا عن رغبة العراق في الاستفادة من التجارب الصينية الرائدة في مجالات القضاء على الفقر وإعادة إعمار البنية التحتية.

مشاركة :