إلى التويجري: كنتَ كنوح مع ابنه - كوثر الأربش

  • 2/8/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

«جئتكم حاملاً حزني، وحزن والدتي وزوجتي؛ لأشارككم الفقد وألم الصدمة الرهيبة». محزن للغاية أن لا يعرفك العالم سوى بهذه الطريقة، أن يطلق عليك هذا اللقب التعيس: «والد الانتحاري»، لكنها الحياة تنعطف بنا، تغيّر مساراتها؛ لنجد أنفسنا على منحدر، لا نرى نهايته. لكن رغم كل ذلك كان الأب على طريقة لوثر كينج الذي قال: «الإيمان هو أن تأخذ الخطوة الأولى، حتى لو لم تستطع رؤية الدرج كله» مختلفاً عن كل شيء، ذهب مواجهاً مساراتها وأقدارها المخيفة، صعد أولى الدرجات، أخذ معه حزنه للأحساء؛ لتصبح المعادلة: أب مقابل أب. دون كل الاختلافات الأخرى. كان قدَره أن يصبح في أحد الجُمع «والدَ انتحاري»، وهكذا كتبوا اسمه في الصحف، هكذا سيقول الناس، وسينسون كل شيء آخر، سيقولون في أحسن الأحوال: «أين كنت؟» كما لو كانوا كلهم آباءً حاضرين وقريبين من أبنائهم! عبدالله التويجري، بوجهه الطيب، عينيه المليئتين بحياءِ رجل ضميره حيّ، بكل شجاعة، حامل معه الحب والألم، لا شيء غيرهما، ذهب لضحايا ابنه الذين أرسلت أرواحهم للجنان؛ ليقول للناس هنا وهناك: «ها أنذا لم أختبئ كلص، لم أبارك الجريمة، أنا هنا معكم، قلبي كقلوبكم، باكٍ ومصدوم». السطحيون يقرؤون في القرآن: {ولاتزر وازرة وزر أخرى}، يقرؤونها بألسنتهم ولا تتعدى أبعد من ذلك. يرتلونها بأجمل التراتيل، ثم يثقلون كاهل البريء بوزر أبنائه وأقاربه. بعد كل حادثة تفجير مروّعة، بعد كل حالة فقد مؤلمة، يبدأ هؤلاء بتوزيع التهم، كما لو كانت التهمة تعزية بريئة. البعض يتهم الأسرة، البعض يتهم المناهج، المناهج التي رفعت نسبة المتعلمين لـ 93.19 %، هذا لو عكسنا نسبة الأمية لعام 2015، التي بلغت 6.81 % مقارنة بـ 10 % من إجمالي مقاتلي داعش من السعوديين المنضمين لها، النسبة الأقل من الجنسيات الأخرى. وهذا ليس مدحاً في المناهج؛ لأنني أطمح لتطويرها لتصل إلى مصاف التعليم العالمي، ولكنني أحاول البحث عن الكاهل الأحق بحمل وزر الإرهاب. فيما اعتاد البعض ألا يبحث بصدق، هم فقط يريدون «متهماً» يسد فراغ الأسئلة، يحل لغز الموت الرخيص، يسكن ألم الفقد، أو ربما يخدم قضيتهم، ويفرغ توترهم النفسي. وغالباً ما يكون الآباء أكثر أهداف أصابع الاتهام. الأب المكلوم ذهب للأحساء لينقض معادلة الأسباب العرجاء؛ ليقول للعالم أعد حساباتك: قد تزرع أرضاً ثم تكتشف أنها سبخة، وقد تحفر بئراً ثم لا يظهر الماء. ليقول للمتربصين: «إن الإرهاب ليس من أهلي؛ إنه عمل غير صالح». لكن.. هل هذا كافٍ للموغلين في الكراهية؟ للناقمين على كل شيء؟ لمن اتهم أهالي الأحساء الطيبين ممن احتضنوا قلب الوالد المكلوم بالجبن والتقاعس؟ هؤلاء الذين لا يفعلون شيئاً سوى تحقيق أهداف الإرهاب، سوى أن يمسكوا معول الهدم، ويعمقوا شرخ الأمة.. هؤلاء الذين لا يصدقون، ولا يسمعون سوى عواء الكراهية في ضمائرهم.

مشاركة :