بكين- فيصل السعدي خلال مراحل حكمه التي امتدت لنحو 50 سنة، أولى السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- اهتمامًا خاصًا بإتاحة التعليم للجميع، وأطلق المقولة الخالدة "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة"، فخصَّصَ الموازنات لبناء المدارس واستقطاب المُعلمين، وعمِل بكل ما يستطيع من أجل رفع مستوى التعليم في عُمان، ولكي يكون كل عُماني متسلحًا بالعِلوم والمعارف، وبالتوازي مع ذلك سعى- رحمه الله- إلى نشر العلم في ربوع الأرض، فأنشأ كراسي السلطان قابوس العلمية، في عدد من الجامعات والمعاهد البحثية حول العالم، ومن بين هذه الجامعات، جامعة بكين، التي تحتضن كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية، والذي يمثل نافذة عملاقة لطلاب هذه الجامعة من أجل التعرف على الثقافة العربية، والعمانية على وجه التحديد، في مسعى كريم من السلطان الراحل لبناء جسر ثقافي متين بين عُمان والصين، اثنتين من أقدم الحضارات على وجه الأرض. والكرسي العلمي للسلطان قابوس خير شاهد على أهمية العلم والمعرفة، فهو برنامج بحثي أو أكاديمي يتم إنشاؤه في إحدى الجامعات الدولية المرموقة، ويصل عدد الكراسي التي أنشأها السلطان الراحل إلى 18 كرسيًا في العديد من الجامعات العالمية. وجاء إنشاء كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بجامعة بكين عام 2007، كخطوة ناجحة لتحقيق التعاون بين جامعة السلطان قابوس وجامعة بكين. وقبل إنشاء الكرسي، أسست جامعة بكين قسم تعلُّم اللغة العربية عام 1946، ليكون أول قسم يدرِّس اللغة العربية في الصين؛ أي قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية (تأسست في 1 أكتوبر 1949). واللغة العربية هي اللغة الأجنبية الأولى التي تعلمها الصينيون، وذلك نتيجة الاحتاك مع التجار العرب وتبادل السلع التجارية بين الدول العربية والصين. "الرؤية" ذهبت إلى مقر كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بجامعة بكين، والتقت البروفيسور "فو تيشمينغ" نائب عميد كلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين وأستاذ كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بالجامعة، الذي أكد أن كرسي السلطان قابوس هو الكرسي الأول والوحيد في قسم اللغة العربية في كلية اللغات الأجنبية في بكين وفي كل الأقسام للغة العربية في الجامعات الصينية. وقال في حديثه مع "الرؤية" إن هذا الكرسي العلمي يحظى بشهرة واسعة، الأمر الذي شجّع الطلاب على حب اللغة العربية وتعلمها، لما تتميز به هذه اللغة من مجالات متعددة مثل الأدب والفقه والشعر وغيرها. وأكد تيشمينغ أن الكرسي حقق جميع الأهداف المرجوة من إنشائه؛ إذ ساهم في إتاحة الفرص للتبادل العلمي بين جامعة بكين وجامعة السلطان قابوس؛ حيث يتم إرسال طلاب صينيين لتعلم اللغة العربية في الجامعات العمانية، مشيرًا إلى التعاون البحثي والعلمي المشترك بين الجامعات العمانية والصينية. وذكر أن جامعة بكين تستقبل وفودًا من الطلاب العمانيين، وهو ما ساعد على إطلاق دورات علمية وبحوث ميدانية بين البلدين، فضلًا عن ترجمة العديد من الأعمال الأدبية من اللغتين العربية والصينية. وأشار البروفيسور تيشمينغ إلى أن معظم الصينيين الذين يجيدون اللغة العربية تخرجوا من جامعة بكين، وبالأخص المُحاضرين المختصين باللغة العربية؛ حيث تستقبل جامعة بكين سنوياً أكثر من 25 طالبًا في مرحلة البكالوريوس في اللغة العربية، ومن 3 إلى 5 طلاب في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، إلى جانب 21 باحثًا لما بعد الدكتوراه. وقال تيشمينغ إنه منذ إنشاء هذا الكرسي يتم إرسال حوالي من 5 إلى 7 طلاب لتعلم اللغة العربية في جامعة السلطان قابوس، ولكن بسبب ظروف جائحة كورونا لم تتمكن الجامعة من إرسال الطلاب خلال العامين الماضيين. لكنه ذكر أن كلية السلطان قابوس لتعلم اللغة العربية النطاقين بغيرها في منح بمحافظة الداخلية أتاحت فرصة لمقعدين، وبالفعل تم إرسال طالبين للدراسة هناك في تخصص إدارة التعليم في اللغة العربية. وأضاف أنه في ضوء إنشاء الكرسي تمت ترجمة قاموس اللغة العربية إلى اللغة الصينية، وهو ما سهّل تعلم الطلاب الصينيين للغة العربية، ويتم تنظيم ندوات ومسابقات في فنون الخط العربي وفن الخطابة والبلاغة وغيرها، كما تمت ترجمة العديد من الأعمال الأدبية إلى اللغتين، مشيرا إلى الدور المهم لكرسي السلطان قابوس في ترسيخ التراث والثقافة العمانية الأصيلة بين الطلاب الصينيين، ومساعدتهم على التعرف على الشخصيات العمانية البارزة على مر التاريخ.
مشاركة :