قال الكاتب العظيم بيل برايسون، المتخصص في شؤون السفر، ذات مرة، إن هناك ثلاثة أشياء لا يمكنك القيام بها في هذه الحياة: لا يمكنك التغلب على شركة الهاتف، ولا يمكن أن يأتي النادل إليك حتى يكون هو مستعداً لذلك، ولا يمكنك العودة إلى المنزل مرة أخرى. وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية - وربما خلال الأشهر القليلة القادمة أيضاً - كان عشاق توتنهام يرغبون في تحقيق الشيء الثالث، فبعد الهزيمة التي تلقاها توتنهام على ملعب المولينو معقل ولفرهامبتون، كان جمهور النادي يغني قائلاً: «ألا تعلمون أن ماوريسيو بوكيتينو كان ساحراً»، مطالبين بإعادة المدير الفني الأرجنتيني لقيادة السبيرز مرة أخرى. فهل من الممكن أن يعود بوكيتينو لقيادة توتنهام؟ من المعروف أن المدير الفني الأرجنتيني غير مرتبط بالعمل مع أي فريق حالياً منذ إقالته من تدريب باريس سان جيرمان الصيف الماضي، ولا يزال لديه منزل في شمال لندن، في الوقت الذي لا توجد فيه خيارات كثيرة فيما يتعلق بالمرشحين المحتملين لقيادة الفريق بعد رحيل أنطونيو كونتي ويريد رئيس مجلس الإدارة، دانييل ليفي، بناء جسور من التواصل والتعاون مع الجمهور، وبالتالي فإن كل المعطيات تشير إلى اتجاه واحد وهو التفكير في إعادة بوكيتينو. لكن عند هذه النقطة، لا بد من التروي والجلوس والتفكير بعمق قبل اتخاذ أي قرار قد تكون له تداعيات كبيرة، وطرح السؤال التالي: هل ستكون عودة المدير الفني الأرجنتيني مناسبة من الناحية العملية؟ من المؤكد أن الكثيرين سيكونون سعداء للغاية بعودة بوكيتينو، خاصة بعد الفترة المتقلبة والعاصفة تحت قيادة جوزيه مورينيو، والفترة الكئيبة تحت قيادة أنطونيو كونتي، والفترة الغريبة تحت قيادة نونو إسبيريتو سانتو! لا يعاني توتنهام في الفترة الأخيرة من الفشل أو عدم الكفاءة، لكنه يعاني من عدم ثبات في المستوى، فتارة يقدم مستويات رائعة، مثل تلك التي قدمها عندما حقق الفوز على كل من مانشستر سيتي وليستر سيتي ومارسيليا، وتارة أخرى يقدم أداء سيئاً للغاية! ويعود السبب الرئيسي وراء عدم ثبات المستوى إلى أنه لا يوجد من يؤمن حقاً بقدرة النادي على تقديم أداء ثابت لفترات طويلة. لكن على العكس من ذلك تماماً، كان بوكيتينو لديه إيمان راسخ بقدرة فريقه على المنافسة بقوة، وكان يغرس هذه الثقة وهذه الثقافة في نفوس لاعبيه. بالإضافة إلى ذلك، فإن بوكيتينو يعمل بحماس شديد ويساعد لاعبيه على تقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر، ويكفي أنه أقنع نيمار بالقيام بواجباته الدفاعية والضغط على المنافسين من الأمام عندما كان يتولى القيادة الفنية لباريس سان جيرمان. وبالتالي، فإن توتنهام لن يعاني من أي مشكلة تتعلق بالثقة في حال عودة بوكيتينو. لكن المشكلة الحقيقية هي أنه لا يوجد ما يضمن أن يحقق بوكيتينو النجاح نفسه الذي حققه في الفترة السابقة، خاصة أن ما حققه هو ولاعبوه في ولايته الأولى كان نتاج وقت معين ومجموعة فريدة من نوعها من الظروف: فريق شاب لديه رغبة هائلة في تحقيق نتائج جيدة وليس لديه ما يخسره، ولا يمكن توقع ما سيقدمه، لذلك تمكن بوكيتينو واللاعبون معاً من كتابة صفحة رائعة في تاريخ النادي. فما الذي تبقى من هذا الفريق الشهير؟ إريك داير، وسون هيونغ مين، وهوغو لوريس، وهاري كين الذي يرغب منذ سنوات في الرحيل بعدما فشل في الحصول على أي بطولة مع النادي! ومن المؤكد أن مستوى كل هؤلاء اللاعبين قد اختلف تماماً عما كان عليه خلال فترة وجود بوكيتينو. وحتى بوكيتينو نفسه ربما لم يعد المدير الفني نفسه الذي تعاقد معه توتنهام قبل عقد من الزمان: ربما أصبح أكثر برغماتية، وهو الأمر الذي قد يجعله يعتقد الآن أن العودة لتدريب توتنهام هي خطوة إلى الوراء في مسيرته التدريبية! بدلاً من ذلك، دعنا نقول إن ليفي سيمنح بوكيتينو الصلاحيات اللازمة والتدعيمات التي كان يجب أن يحصل عليها في عام 2018، ويسمح له بأن يتحكم في زمام الأمور تماماً وأن يعمل مع مجموعة جديدة من اللاعبين الذين لم يسبق لهم اللعب في ظروف قاسية تحت قيادة مورينيو وكونتي، لكن من هم هؤلاء اللاعبون الجدد؟ هل هناك مهاجم صاعد من أكاديمية الناشئين بالنادي يمتلك قدرات وإمكانيات هاري كين نفسها؟ ومن هو اللاعب الذي يشبه ديلي آلي الذي يمكن اكتشافه من دوري الدرجة الثانية، وحتى لو وُجد هذا اللاعب فكيف تحميه من إغراءات أندية مثل نيوكاسل أو تشيلسي؟ باختصار: هل أي من هذه الأشياء يرتكز على أي شيء ملموس أكثر من مجرد الحنين إلى النجاحات الاستثنائية التي حققها الفريق في الماضي تحت قيادة بوكيتينو، مثل عودته الدراماتيكية أمام أياكس في الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا عام 2019؟ لقد كان الدرس الحقيقي الذي تعلمه النادي خلال الفترة بين عامي 2014 و2019 هو إدراك قيمة البداية الجديدة والأفكار الجديدة، وبالتالي يتعين عليه ألا يفكر في العودة إلى الماضي والاستعانة ببوكيتينو مرة أخرى!
مشاركة :