قبل 80 عاما تقريبا أهدى تاجران من منطقة عسير مسجد بلدة “رُجال” -; الواقعة حاليا ضمن الجغرافيا الإدارية لمحافظة رجال ألمع – أحدث وسيلة إضاءة في ذلك الزمن ، احتفالا بقدوم شهر رمضان المبارك . كان حدثا كبيرا ومبهجا للأهالي حسب ما رصده الباحث محمد حسن غريب في كتابه عن ” بلدة رُجال”، الذي أشار إلى أن الهدية الثمينة تمثلت في “إتريك” ألماني من نوع “بترومكس” يمثل أقوى إضاءة يمتلكها مسجد في ذلك الوقت ، حيث مكّن الأهالي من قراءة القرآن الكريم والمكوث في المسجد ساعات طويلة من الليل . وخلال الثمانية عقود الأخيرة شهد الاهتمام باستقبال شهر رمضان تحولات كبيرة ففي زمن “الأتريك” كان الأهالي وبدعم من المحسنين والجهات الرسمية يحرصون على تهيئة المساجد قبيل دخول الشهر الكريم وذلك من خلال طلاء جدران المساجد التي تقام فيها الصلوات الخمس وصلاة التراويح وصلاة الجمعة وتبييضها من الخارج بالنورة وتنظيفها. وفي عصرنا الحاضر ومنذ دخول الكهرباء العمومية إلى منطقة عسير في أواسط الثمانيات الهجرية أصبحت المساجد والجوامع التي تقام فيها الصلوات وتحتضن المحاضرات التوعوية من أبرز المواقع التي لا تنقطع عنها الإضاءة ليلا أو نهارا، حيث تعتبر المكان الأنسب لقراءة القرآن الكريم وتدارسه والاعتكاف في شهر رمضان لتوفر جميع الخدمات فيها من إضاءة ومياه وفرش نظيف وجديد . ولعدم توفر وسائل إعلام خلال فترة الستينات الهجرية وما قبلها كان يبدأ الناس صيامهم بعد شروق شمس أول يوم وهم يرعون مواشيهم أو يحرثون مزارعهم أو في أسواقهم، بعد سماعهم نداء” الصائح” وهو الشخص المعني بإيصال الأخبار الهامة لعامة الناس، وعندها يبدؤون في التهليل والتكبير وحمد الله على فضله وأن بلغهم شهر رمضان وهم بصحة وأمن. وكان الاستعداد لشهر رمضان في بعض بلدات وقرى عسير يبدأ من شهر شعبان حيث تقوم النساء بتزيين المنازل بالأصباغ الملونة وتنظيفها، إضافة إلى طحن حبوب الذرة والدخن وشراء كميات من التمور حسب القدرة المالية لتكون مائدة الإفطار الأساسية، ثم شهد المجتمع تحولات سريعة ، حيث أصبحت العادات الرمضانية كغيرها من العادات الاجتماعية الأخرى تتأثر بما يدور في العالم وخاصة العالم الإسلامي. وانتشرت في السنوات الأخيرة مظاهر جديدة لاستقبال الشهر الكريم، من أبرزها اتجاه العائلات إلى شراء مستلزمات استهلاكية تتعلق بشهر رمضان كملابس الأطفال ذات الألوان المميزة والمستمدة تصاميمها من أيقونات تراثية كالمشغولات اليدوية، ودخول “الفوانيس” الرمضانية والإضاءات الملونة إلى حزمة احتفال الأطفال والعائلات بهذه المناسبة الدينية التي يسعد بها الجميع .
مشاركة :