الكائن بوصفه حمال عواطف وأحاسيس في درب محفوف بشؤون شتى حيث النظر والقول والحلم والحنين مجالات جذب لأجل الفكرة وبها تقصدا للكيان في تجليات ابتكاراته وانتظاراته بما يعلي من شأن الحضور والإقامة في أرض الغادين والعائدين.. الكائن هذا المبصر تجاه الأمكنة والأشياء والعناصر تمنح شيئا من بهائها النادر للمحبين والمولعين بالصنوف والضروب والأنواع من ألوان هذا الفن.. هي فكرة الذهاب إلى نقطة في الطفولة من خلالها تلمع ممكنات كثيرة تعلن شغفا قديما تلبس بالذات وهي ترى قادم أيامها في الدروب... دروب الإبداع ومنه هذا الإبداع الفني الذي يبرز الكثير من اعتمالات الكينونة في حمال أحوالها وتفاصيلها. هكذا نلج عوالم التجربة وبداياتها بخصوص فنانة رأت في الفن وجهة وملاذا في عالم مربك به الكثير من نائبات الدهر وإرهاقه خطت بداياتها بكثير من العناء الجميل والدأب والمكابدة والفن هنا وبالنسبة إليها ترجمان دواخل وهي التي صبرت بالفن ولأجله لتشير إلى الآفاق حيث النجمة المتألقة... الصبر معلم كائنات والفن فكرة حلم تحلت بألوان الصبر لديها وهي الطفلة التي تخيرت سفرها المعنون بالإبداع والإصرار والجمال المبثوث بين تلوينات الأعمال واللوحات والمنجز عموما لديها في خانة الابتكار والتجدد. تعددت مشاركاتها الفنية وخلال حوالي عقدين نشطت وأشرفت على عديد النوادي والمعارض الفنية واهتمت بالخصوص بمجالات التكوين في الرسم ضمن عدد من نوادي الاختصاص.. في لوحاتها تبرز حساسياتها الفنية في تناسق لوني بين الموضوع ومكوناته في فضاء العمل المنجز لتحضر ثيمات مختلفة يجمع بينها تأمل الفنانة واعتمال حالها حيث الفكرة تقودها للفن ورسالته الاجتماعية والإنسانية والجمالية... هي الفنانة التشكيلية نورة البجاوي التي تعد لمعرضها الفردي بدار الثقافة ابن خلدون خلال الفترة من 20 مايو/أيار إلى 21 يونيو/ حزيران 2023.. تأخذنا إلى البدايات وشيء من التجربة لتقول "في طفولتي أذكر أن أمي كانت تعمل بفندق ومن خلال عملها وما توفر لديها من مجلات يجلبها السياح معهم ويتركوها عند المغادرة ومنها المجلات المصورة على غرار مجلة تان تان وكنت حين تمكنني من المجلة أسعى لرسم محتوياتها وعمري آنذاك ثلاث سنوات، وفي مرحلة ارتياد الروضة تفطنت المربية لموهبتي المبكرة وتحدثت مع أمي بشأن ذلك وما توفر لي من شغف بالرسم والتلوين وذاكرة بصرية قوية". وتضيف "مضيت في هذا الولع بالرسم وكنت أضع أشيائي على الطاولة وأرسم، وعندما صار عمري إحدى عشر سنة أخذتني أمي إلى دار الثقافة بالعوينة وحصلت على اشتراك في نادي الرسم، وإثر ذلك شاركت في معرض للرسم ونلت جائزة لتكون أول جائزة أحصل عليها وهذا أسعدني وزاد من حبي للرسم وعالم الألوان، حيث كنت مع من هم أكبر مني سنا". وتتابع "كنت أصغر رسامة في تونس في تلك الفترة من عمري.. كبر هذا الغرام بالرسم وبالموسيقى أيضا وعلى إثر حصولي على شهادة الباكالوريا درست بالمعهد العالي للفنون الجميلة بنابل وشجعني أستاذي الذي أعتز به وبتجربته الفنان طارق السويسي وكنت أرسم الطبيعة الميتة ويتابعني في عملية الرسم عدد من الأساتذة يقفون خلفي ليروا مراحل إنجاز عملي.. هذه الموهبة تواصلت وكللت بالإعداد لماجستير حول "نظريات الإبداع" في تأطير للأستاذين الناصر بالشيخ وهشام المسعودي، ورغم ظروف اجتماعية صعبة مررت بها، فإني واصلت هذا الذهاب في نهج الفن.. ثم عملت في مجالات متعددة ومنها ما هو خارج تخصصي وكانت لي أنشطة بمراكز التكوين والنوادي ما منحني الخبرة والتجربة وبالمناسبة فإن بعض أعمالي بيعت للأجانب والعرب من أحباء الأعمال الفنية". وتوضح "بالنسبة للفن فإني لا أؤمن كثيرا بالمدارس الفني، لأن الفن والفنان في حالات تطور دائم مثل بيكاسو وقد مر بمراحل عديدة في كل مرة تتقدم به الحياة ليوظف ذلك في تجربته ليثريها... صحيح أنني في بداياتي تأثرت بتجربة مدرسة تونس وفنانيها وأعمالهم مثل الفنان الراحل علي بن سالم، ثم سعيت بعد ذلك للتجاوز لأبحث عن الجديد.. مدرسة تونس تجربة مهمة وفيها تركيز على التراث واليومي". وتشير إلى أن "الفن المعاصر هو فن مختلف فيه نقد وإيصال رأي وهنا يكتسب الفن رسالة وبعدا توعويا.. قدمت في أعمالي البوب آرت، وفن البوب هو مجموعة من الظواهر الفنية المرتبطة ارتباطا وثيقا بروح العصر وجوهر حركة ثقافية واسعة النطاق في الستينيات من القرن الماضي، نشأ في بريطانيا العظمى في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ولكنه انتشر بسرعة إلى العالم الغربي بأكمله في سياق المجتمع الصناعي الرأسمالي.. هذا في بعض أعمالي موجود وأعجبتني التجربة لخصوصية هذا النمط الفني وأنا بالأساس فنانة بورتريه أعمل كثيرا في سياقات البورتريهات ومع تقدمي فيها صرت أتخلى عن الألوان في الكولاج وفي الفن الاستيعادي". وتقول "سعيت كثيرا في عملي الفني ضمن تجربتي إلى وجود التنوع في أعمالي والثراء والحركة مع عدم ميلي لمسألة الأسلوب الخاص إيمانا مني بأن الفنان يمر بعدة أساليب.. الفن علمني أنني خلال البحث والإنجاز أكتشف أشياء جديدة والبصمة كما قلت لا تعنيني... في معرضي الجديد الذي أعد له من فترة هناك تنوع في الأعمال المقدمة بين الحروفية التجريدية والبورتريهات والكولاج وغيرها وفيها تناسق وأشعر عميقا أنها تعبر عني وعن أبحاثي وتجاربي". هكذا هي الفكرة الفنية التشكيلية في شواسعها وأبعادها الجمالية والوجدانية والإنسانية عند الفنانة نورة التي ترى في الفن ملاذها وحياتها، حيث كان لها في فترات حياتها الصعبة بمثابة العلاج .. الفن حلمها الناصع وهي التي ترى فيه مجالا لمزيد التوعية بدوره في حياة الناس، كما أنها تعشق الموسيقى التي كانت تعادل الرسم في ميلها وولعها.. هي ترسم لتسافر وتوقظ الذكريات في الإنسان وتحلم وتحب وتحن إلى الجميل الكائن في الإنسان وفي الأمكنة.. نورة البجاوي فنانة تشير إلى العناصر والأشياء الطالعة من لوحاتها وأعمالها بحلم طفلة وشموخ فراشة وهي في ذلك تواصل مسيرتها مع الفن، حيث يكون موعدها مع جمهور الفن التشكيلي خلال الفترة من 20 مايو/أيار إلى 21 يونيو/ حزيران 2023 بقاعة المعارض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون.
مشاركة :