ساعدت القمة التي عقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينج في موسكو في إعطاء انطباع بوجود جبهة موحدة ضد الولايات المتحدة، إلا أن التوترات الكامنة كانت أيضاً واضحة. وحول النتائج التي حققتها القمة لكل من الجانبين قال توماس جراهام الخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ومستشار شؤون روسيا السابق بمجلس الأمن القومي الأميركي، في تحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية، إنه من خلال فخامة الزيارة الرسمية، سلط الرئيسان بوتين وشي الضوء على تحالفهما الاستراتيجي المتنامي، والذي يستهدف قلب النظام الدولي القائم على القواعد الذي تقوده الولايات المتحدة، لصالح عالم متعدد الأقطاب. ورغم أن القمة أظهرت بوضوح الجانب الرمزي لها دون تحقيق نتائج ملموسة، فقد حققت أهداف كل من الرئيسين. وأشار جراهام إلى أن بوتين رحب بإظهار أن روسيا ليست معزولة ولا يمكن عزلها عن العالم وهي تعزز العلاقات مع إحدى القوتين العظميين في العالم. ومن خلال عرض العلاقات التجارية المزدهرة والكشف عن خطط لتوسيعها، أكد بوتين الثقة في أن روسيا يمكن أن تظل صامدة في مواجهة العقوبات الغربية الصارمة. من ناحية أخرى، أكد قرار شي باختيار موسكو لتكون وجهة أول زيارة خارجية يقوم بها في ولايته الثالثة كرئيس للصين التزامه القوي إزاء روسيا وبوتين بشكل شخصي. فقد استغل القمة لتأكيد عزم الصين على تحقيق مصالحها الوطنية في تحد للضغوط الأميركية الاقتصادية والدبلوماسية المتصاعدة، موضحا أن الصين لن تتخلى عن شريكها الاستراتيجي في مواجهة ادعاءات الولايات المتحدة بأنها تقود العالم. وقد كانت هذه رسالة حاسمة لجمهوره الداخلي الذي يزداد قومية، وكذلك لمنطقة الجنوب العالمي، حيث يواجه النظام الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة ضغوطا. ورأى جراهام أن شي أوضح ببراعة أن الصين هي الشريك المهيمن. ولم يكن أمام بوتين خيار سوي قبول مقترح شي بأن تستخدم روسيا اليوان بدلا من الروبل، في التجارة مع الجنوب العالمي لتقليص دور الدولار الأميركي في التجارة العالمية. كما أعرب شي طواعية عن دعمه لإعادة انتخاب بوتين في عام 2024 رغم أن الرئيس الروسي لم يعلن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد في نهاية القمة، كان شي متحفظا في وصف العلاقات الثنائية أكثر من بوتين، الذي كان حريصا على تحديد كل المجالات التي تعتزم فيها الدولتان تعزيز التعاون في الأعوام المقبلة. وقد ترك هذا انطباعا واضحا أن روسيا تحتاج الصين أكثر مما تحتاج الصين روسيا. وفيما يتعلق بتأثير القمة على الحرب في أوكرانيا، اعتبر جراهام أنه لا شيء في القمة أظهر أن ديناميكية الحرب قد تتغير. وكما كان متوقعا، استمرت بكين في تقديم دعم دبلوماسي قوي لموسكو، وكررت الرواية الروسية التى ترى أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) هو السبب في الصراع. وعلى الرغم من مخاوف واشنطن، لم يقدم شي أي دليل على أن الصين مستعدة لتزويد روسيا بدعم عسكري فتاك قد يحسن بشكل جذري فرص روسيا على أرض المعركة. وأشار بوتين إلى أن خطة السلام التي تتألف من 12 نقطة التي طرحتها الصين مؤخرا يمكن أن تكون أساسا للمفاوضات، إلا أنه لم يقترح بوتين أو شي أي خطوات عملية يمكن أن تعطي أهمية فعلية لقائمة من الكلمات المهدئة حول احترام السيادة وتجنب التصعيد والبحث عن حل دبلوماسي للصراع. وقال جراهام إن حقيقة الأمر هي أن الصين تستفيد من الجمود العسكري، حيث أن عدوان روسيا يصرف انتباه الولايات المتحدة ومواردها عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بينما تجبر العقوبات الغربية روسيا على اللجوء إلى الصين كشريان حياة اقتصادي لها. وتستغل الصين مأزق روسيا للحصول على الموارد الطبيعية المهمة، خاصة النفط والغاز بأسعار مخفضة. ووفقا لهذه الحسابات، قدم شي لبوتين دعما معنويا وماديا كافيا لكي يتمكن من مواصلة القتال، لكنه أقل كثيرا مما يلزم لمنح روسيا الأفضلية. في الوقت نفسه، واصل الصينيون العمل على إبرام صفقات تجارية صعبة.والجدير بالملاحظة أنه لم يتم الإعلان عن أي اتفاق لبناء خط أنابيب غاز "قوة سيبيريا" ثان، والذي وصفه بوتين بأنه "صفقة القرن". وبدلا من ذلك، تم الإشارة ببساطة إلى أن هناك حاجة إلى التفاوض على المزيد من التفاصيل، حيث تستكشف الصين البدائل. وفيما يتعلق بالتوترات القديمة أو الكامنة بين الصين وروسيا، وتأثير قمة بوتين وشي على هذه التوترات، أشار جراهام إلى أنه باستثناء فترة وجيزة بعد سيطرة الشيوعيين على الصين في عام 1949، كانت روسيا والصين خصمان وليسا شريكين. وحتى نهاية الحرب الباردة، كانت روسيا إلى حد بعيد القوة العظمى. وأوضح جراهام أن الوضع تغير بشكل كبير بعد عام 1991، عندما أصبح اقتصاد كل من البلدين بنفس الحجم تقريبا. والآن، أصبح اقتصاد الصين أكبر عشر مرات من اقتصاد روسيا وتواصل الفجوة بينهما في الاتساع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الصين الآن لها تأثير أكبر كثيرا على الساحة العالمية، فقد تفوقت على روسيا في تطوير التكنولوجيا المتقدمة وأصبح جيشها التقليدي يقارن بالجيش الروسي، حتى وهي تقترب من تحقيق التكافؤ النووي مع كل من روسيا والولايات المتحدة. وأشار إلى أنه ما كان يمكن أن يُرى من قبل على أنه شراكة متساوية، تطور إلى النقطة التي أصبحت فيها روسيا هي الشريك الأصغر. وعلى الرغم مما يقال بشأن الشراكة الشاملة وتأكيدات بوتين وشي أن العلاقات بين الجانبين لم تكن أفضل مما هي الآن، يعد هذا التباين في القوة والطموح، في حد ذاته مصدرا للتوتر، بالإضافة إلى الاشتباكات الحضارية والعداءات العنصرية والشكاوى بشأن الأراضي والتنافس الجيوسياسي والتي تسببت جميعها في توتر العلاقات في الماضي. وقال المحلل توماس جراهام في نهاية تحليله إن التحدي المشترك من جانب الولايات المتحدة يفوق كثيرا مصادر التوتر هذه. ومن شأن سياسة واشنطن الحالية التي تعتمد على الاحتواء المزدوج أن تؤدي فقط إلى تعزيز تحالفهما الاستراتيجي وتواري التوترات بينهما.
مشاركة :