التقطت السعودية إشارة تداعيات انهيار أقدم بنك في سويسرا على استثماراتها الخارجية بالإسراع في إعادة هيكلة القيادة العليا للبنك الأهلي، المساهم الأكبر في كريدي سويس، أملا في ضبط مسار عملياته في المرحلة المقبلة عبر أعمال مدروسة بعناية أكبر. الرياض - أعلن البنك الأهلي السعودي، أكبر مساهم في كريدي سويس، قبل إنقاذ البنك السويسري في وقت سابق هذا الشهر، الاثنين أنه عين رئيسا جديدا لمجلس الإدارة بعد أن تكبد خسائر كبيرة في استثماراته. وقال في إفصاح للبورصة المحلية “تداول” إن “الرئيس التنفيذي سعيد محمد الغامدي سيتولى منصب رئيس مجلس الإدارة خلفا لعمار الخضيري الذي استقال لظروف خاصة”. وأضاف البنك، الذي يعتبر أول مؤسسة مصرفية محلية تستثمر في الخارج ضمن أجندة “رؤية 2023″، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن “نائب الرئيس التنفيذي طلال الخريجي تولى منصب الرئيس التنفيذي بالإنابة”. وفسر محللون الخطوة بأن السعوديين قد يكونون قلقين بشأن الضرر الذي يلحق بالسمعة بشأن استثماراتهم أو من أي صفقات متوترة، فضلا عن أي خسائر مالية محتملة في المستقبل، وأنهم يريدون تدارك العثرة رغم أنهم ليسوا مسؤولين عنها أساسا. سعيد الغامدي يتمتع بخبرة طويلة ويشغل مناصب عليا في بنوك إقليمية ودولية سعيد الغامدي يتمتع بخبرة طويلة ويشغل مناصب عليا في بنوك إقليمية ودولية وينبع جزء من حذرهم من الاستثمارات الكبيرة، التي ضخها جيرانهم خلال السنوات السابقة مثل جهاز قطر للاستثمار، والتي تحول بعضها منذ ذلك الحين إلى حالة سيئة. ولطالما يبحث المستثمرون الخليجيون عن استثمارات ذات قيمة، كما دعموا بنوكا عالمية، مثل كريدي سويس ودويتشه بنك الألماني لسنوات عديدة، لكنهم لم يجنوا المكاسب الضخمة التي حققها مستثمرون آخرون. ويتمتع الغامدي بتاريخ طويل في العمل المصرفي، من ذلك منصب الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي، وعضو مجلس الإدارة، وذلك بعد تفرغه للأعمال الاستشارية البنكية في مارس 2012. كما عمل مستشارا لمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما”، وكذلك مستشارا لرئيس مجلس إدارة البنك الأهلي التجاري. ويشغل الغامدي حاليا عددا من المناصب من أبرزها رئيس مجلس إدارة بنك فينانس كاتيليم الإسلامي التركي، وعضو مجلس إدارة معهد التمويل الدولي، وعضو المجلس الاستشاري لكلية الإدارة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. ويأتي تحرك السعودية لهيكلة أعلى هرم البنك بعد أسبوعين تقريبا على قول الخضيري إن أكبر بنك في السعودية من حيث الأصول “لن يشتري المزيد من الأسهم في كريدي سويس لأسباب تنظيمية”. واعتبرت هذه التصريحات حافزا للمزيد من عمليات البيع المكثفة لأسهم البنك السويسري، وأدت إلى تفاقم أزمة الثقة في البنك الذي شهد بالفعل سحب العملاء لأكثر من 110 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. وإلى جانب التوترات العالمية في القطاع المصرفي وسعر السهم المنخفض بالفعل، ساهمت تعليقات الخضيري في خسارة كريدي سويس لخُمس قيمته، مما أدى في النهاية إلى استحواذ منافسه المحلي يو.بي.أس عليه مقابل 3.2 مليار دولار. وبسبب انهيار كريدي سويس تكبد البنك الأهلي خسارة تزيد عن مليار دولار، لكنه قال الأسبوع الماضي إن “انخفاض قيمة استثماراته ليس له أي تأثير على خطط النمو ولن يؤثر على الربحية”. ووفق البيانات الرسمية، فقد خسر البنك الأهلي أكثر من 26 مليار دولار من قيمته منذ أواخر أكتوبر الماضي. ويشكل الاستثمار في بنك كريدي سويس أقل من نصف نقطة مئوية من إجمالي أصول البنك السعودي، التي تخطت قيمتها 252 مليار دولار حتى ديسمبر الماضي، و1.7 في المئة من محفظة البنك الاستثمارية كما في نهاية 2022. البنك الأهلي في قلب العاصفة البنك الأهلي في قلب العاصفة كما أنه يشكل جزءا من المحفظة الاستثمارية الإجمالية لدى البنك الأهلي البالغة نحو 68.7 مليار دولار، وهي تمثل 2.2 في المئة من مجموع الاستثمار المبدئي للبنك، و3.5 في المئة من إجمالي حقوق المساهمين. وقبل كارثة كريدي سويس، كانت السعودية تعمل على خطة طموحة لمنح البنك الأهلي، أكبر بنك بالبلاد، بصمة عالمية عبر عمليات الاستحواذ الخارجية الكبرى. وكان استثمارها في البنك السويسري أواخر 2022 يهدف إلى تعزيز القطاع المالي للبلاد وتعزيز مكانتها كقوة استثمارية عالمية. ولتحقيق ذلك استحوذ البنك الأهلي، المملوك بنسبة 37 في المئة لصندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي)، على ما يقرب من 9.9 في المئة من أسهم كريدي سويس مقابل 1.4 مليار فرنك سويسري (1.5 مليار دولار) عبر زيادة رأس المال، ما جعله مستثمرا رئيسيا. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية الأسبوع الماضي نقلا عن مصادر مطلعة، لم تسمها، أن استثمار البنك الأهلي في كريدي سويس أتى بطلب من الأمير محمد بن سلمان. وسعى المسؤولون السعوديون من خلال اغتنام هذه الفرصة إلى جعل البنك الأهلي يطور أعماله في إدارة الأصول وإدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية في السوق السعودية ومنطقة الشرق الأوسط عموما. 26 مليار دولار حجم ما خسره البنك الأهلي السعودي من قيمته منذ أواخر أكتوبر الماضي وأوضحت المصادر أن بعض المسؤولين بالصندوق السيادي رأوا يومها أن العملية “دونها مخاطر كثيرة وتثير مسائل قانونية واحتمال تكبد خسائر كبيرة في المستقبل”. وساعد الخضيري منتصف مارس الجاري في تغذية تلك المخاوف، فقد تسبب في إطلاق أكبر عملية هبوط ليوم واحد في أسهم بنك كريدي سويس منذ الأزمة المالية العالمية. وجاء ذلك في رد أدلى به في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، قال فيه “بالتأكيد لا”، عندما سئل عما إذا كان البنك سيكون منفتحا على المزيد من الاستثمارات في كريدي سويس إذا كانت هناك دعوة أخرى إلى السيولة الإضافية. وقال الخضيري لرويترز هذا الشهر إن “البنك لا يدرس القيام بأي عمليات استحواذ دولية في الوقت الحالي، وبدلا من ذلك يركز على أعماله في السعودية”. وفي مقابلة أخرى مع محطة سي.أن.بي.سي، أكد الرئيس السابق لمجلس إدارة البنك الأهلي في السادس عشر من مارس أن “هذا ذعر غير مبرر بتاتا إن على صعيد كريدي سويس أو السوق برمتها”. لكن في اليوم التالي تحسنت أسهم البنك السويسري بالأسواق المالية بعدما حصل على 54 مليار دولار من البنك المركزي السويسري في محاولة لطمأنة المستثمرين. واعتبر وزير المالية السعودي محمد الجدعان أثناء حديثه مع وكالة الصحافة الفرنسية بالتزامن مع تصريحات الخضيري أن رد فعل الأسواق قد يكون “مبالغا فيه” لأنها غير مستقرة. ومن دون تسمية مؤسسات مالية معيّنة، قال الجدعان حينها إن إخفاقات عديدة، بما في ذلك على المستوى التنظيمي، أجّجت اضطرابات في القطاع سواء على صعيد “الإشراف” أو “الإدارة”، فضلا عن “عدم التطابق” بين الأصول والالتزامات، لكنه أوضح أن لا علاقة لبلاده بذلك.
مشاركة :