المصري «أنيس عبيد» اسم طواه النسيان ولم يعد يذكر إلا نادراً، على الرغم من أنه حفر اسمه في تاريخ الفن السينمائي كأول عربي يقوم بعملية طبع ترجمة مكتوبة باللغة العربية على نسخ الأفلام الناطقة باللغات الأجنبية، ولا سيما اللغة الإنجليزية. وظل الرجل منفرداً بهذا العمل لعقود طويلة من خلال معامل أسسها لهذا الغرض في شارع عبد الخالق ثروت بالقاهرة تحت اسم «شركة ومعامل أنيس عبيد»، بل أصبحت معامله هذه يشار إليها بالبنان كونها الأشهر والأوسع والأقدر في مصر والعالم العربي لجهة ترجمة الأفلام الأجنبية، وخصوصاً أفلام هوليوود. وكان اسمه حاضراً على الشاشات عند نهاية كل فيلم أجنبي تقريباً من خلال عبارة «طبعت الترجمة في معامل أنيس عبيد بالقاهرة». ولد أنيس عبيد في القاهرة سنة 1909 لعائلة قبطية راقية، وبعد تخرجه من كلية الهندسة سافر إلى باريس التي أكمل تعليمه فيها إلى أن نال درجة الماجستير في الهندسة. وإبان دراسته سمع عن وجود دورات تدريبية حول كيفية دمج الترجمة المكتوبة على شريط السينما، وكان الهدف من هذه الدورات دعم الأفلام العلمية، وخصوصاً كتابة المصطلحات على الشاشة. التحق الرجل بالدورة بحماس لأنه وجدها مدخلاً لعمل جديد يجمع بين هوايته السينمائية وبين نوع من الأنشطة غير المعروفة في مصر. وفوق ذلك وجدها حلاً للمصاعب التي كانت تعتري بعض أصدقائه غير الملمين باللغات الأجنبية أثناء متابعتهم الأفلام الأجنبية، فكانوا يلجؤون إليه للترجمة، ما كان يفسد عليه متعة مشاهدة الفيلم. وفي أربعينيات القرن العشرين أقدم الرجل بشجاعة وذكاء وثقة بالنفس على عمل لم يسبقه إليه غيره وقتذاك وهي طباعة ترجمة بالعربية مواكبة لأحداث ومجريات الفيلم الأجنبي المعروض على الشاشة، الأمر الذي فتح الأبواب أمام أجيال من المشاهدين العرب إلى عوالم الترفيه والمتعة والسينما العالمية. فقبل ذلك كانت مشاهدة الأفلام الأجنبية في مصر مقتصرة على الجاليات الأجنبية والنخب المتمكنة من اللغات العالمية. وباعتباره مهندساً، قام بنفسه بصنع آلة تطبع الترجمة على الشريط السينمائي كبديل للطريقة السائدة في تلك الفترة وهي ترجمة الفيلم على شريط منفصل وتحريكه يدوياً، وهو ما كان يعيق المشاهد ويربكه. وهذه الآلة لا تزال موجودة لدى أولاده وأحفاده وتتميز بضخامتها مقارنة بالآلات الحديثة المتوفرة اليوم للغرض ذاته والتي ظهرت عام 1996، ولم يتعرف عليها عبيد لأنه توفي سنة 1988. وفي عام 1944 تم عرض أول فيلم أجنبي قام الرجل بترجمته إلى العربية في معامله، وهو فيلم «روميو وجولييت» الذي أخرجه «جورج كوكور» سنة 1936. وقام بترجمة فيلم «لص بغداد» للمخرج المغامر راؤول والش من إنتاج عام 1924، ثم كرت السبحة فترجم كماً هائلاً من أفلام هوليوود. والجدير بالذكر أن اسم «أنيس عبيد»، عاد أخيراً للتداول من بعد غياب طويل بسبب تكريمه في شخص ابنتيه عبلة عبيد وعزة عبيد (تديران مع أشقائهما معامل والدهما إلى اليوم، محافظين على إرثه واسمه)، وذلك خلال فعاليات مهرجان أسوان الدولي الثالث لسينما المرأة سنة 2019. وصفه الكاتب والمؤلف المصري عمر طاهر في مقال نشره في الأهرام في أكتوبر عام 2015 بـ «خير ساعي بريد لنقل الرسائل الضمنية في أفلام الخواجات لنا، ببساطة غير مخلة وبقوانينه الخاصة». ورداً على البعض الذي قال عنه إنه مؤسس نظرية ترجمة الشتائم الأجنبية بكلمات شتائمية من عصر الجاهلية كتب عمر طاهر: «ضع نفسك مكانه، على الأقل اجتهد الرجل ووضع مكان ترجمة الشتائم كلاماً له معنى، فماذا فعل الجيل الذي يليه؟». طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :