تتناقل وكالات الأنباء العالمية هذه الأيام الاضطرابات التي عمت غالبية المدن الفرنسية احتجاجا على قانون إصلاح نظام التقاعد، حتى وصل عدد المعتقلين إلى ما يقارب 500 شخص، وإصابة قرابة 450 شرطياً، وأشعلت الحرائق في الشوارع والممتلكات والمرافق العامة، وتناثرت صناديق القمامة والأوساخ على الطرقات الرئيسة والفرعية مما أدى إلى عرقلة السير في كل المدن الفرنسية الكبرى، وشاركت نقابات عمالية ومهنية عديدة في إضرابات أصابت الحياة العامة بالشلل، وأدت إلى تعطيل المدارس ووسائل النقل العامة ومصافي النفط ومحطات الوقود وشركات الكهرباء، وكل هذه الفوضى العارمة التي عمت المدن الفرنسية بسبب قانون رفع سن التقاعد سنتين فقط، من سن 62 إلى 64. ورغم هذه الاضطرابات والحرائق وإتلاف الممتلكات، فإن كثيراً من المراقبين يرون أن زيادة سن التقاعد إلى سن 64، والذي يعد أقل من سن التقاعد في غالبية الدول الأوروبية، هي في حقيقة الأمر لصالح الدولة والمتقاعدين أيضاً، وإلا فإن نظام التقاعد الفرنسي سيضعف ولن يتمكن من تغطية النفقات، وبالتالي سيفقد المتقاعدون الفرنسيون معاشاتهم التقاعدية، وما إصرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على المضي في قراره برفع سن التقاعد إلا لأنه يصب في مصلحة فرنسا والفرنسيين لتغطية العجز الهيكلي ولزيادة معدل التوظيف. وإذا ما استشعر الناس في الدول المتحضرة انحرافاً في تعهدات كبار مسؤوليهم وحكوماتهم، أو اشتموا رائحة فساد في سلوكيات مسؤوليهم أو تضخماً في مداخيلهم، قاموا بمعاقبة هؤلاء المسؤولين في الشارع بأنفسهم، حتى لو أصدرت محاكم الدول الأوروبية أحكاماً نهائية بالتبرئة أو بالإدانة، ولهذا نشاهدهم يقذفون مسؤوليهم بالبيض الفاسد أو الطماطم، أو يرمون عليهم الأوساخ، أو يرمونهم بصناديق القمامة، أو يربطونهم بأعمدة النور بسبب قرارات حكومية مرفوضة من قبل العامة، والرئيس ماكرون نفسه لطالما تعرض لإهانات في الشارع بسبب معارضة سياساته التي لم يتقبلها المعارضون، ولأن كبار المسؤولين في الدول المتحضرة يخافون مواجهة الشعب إذا ما استشعر الناس برائحة فساد، أو إذا لم يوفوا بتعهداتهم ووعودهم، فإنهم لا يرتادون الأماكن العامة، ولا يحضرون المجالس العامة خوفاً من أن ينالهم شيء من السباب والاعتداء الجسدي أو النقد اللفظي، على عكس «اللي عندنا» من الفاسدين، الذين يتنافسون على الظهور في صدارة المجالس العامة، وكأنهم حققوا إنجازات للوطن، وهم في حقيقة الأمر سراق للمال العام. من جانب آخر ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقطع فيديو قبل أيام ينتقد فيه بعض البرلمانيين المنتمين لحزبه (حزب العدالة والتنمية)، لأنهم لم يحضروا اجتماعات برلمانية ضرورية، ورغم ذلك تسلموا مكافآت نظير مشاركاتهم المزعومة باجتماعات لم يحضروها أصلاً، ولهذا يقول لهم إن تلك الأموال اقتطعت من أموال الشعب وما عليهم إلا إعادتها إلى خزينة الدولة فوراً. ويلاحظ كذلك أن فساد السياسيين وكبار المسؤولين الغربيين ليس بحجم فساد سياسيي ومسؤولي دول العالم الثالث، مثل المناقصات المليارية والقبيضة وطفح الشوارع بمياه الأمطار بسبب غياب الصيانة وتطاير الحصى وحفر الشوارع التي أودت بحياة مواطنين ومقيمين أبرياء ساقهم حظهم العاثر إلى مقابر الطرقات دون أن تقوم الدولة بتعويض أهاليهم مادياً ولا حتى باعتذار.
مشاركة :