حين تحرّك فرشاتها، تدخل في عوالم مميزة وتختار أفكاراً لها عمقها الفني والثقافي، وتجسّد أعمالها من واقع ملموس تخفي وراءه حكايات متنوعة تعجّ بالأحداث المختلفة، والروايات الشيّقة، التي تعزفها على فرشاة من ألوان الحياة لتقدّمها الى المتلقي بذائقة بصرية شغوفة بالجمال الفكري والروحي، والذي بدوره ينقلنا إلى عالم الأحاسيس والمشاعر ويزرع فينا أحاديث الناي الحزين حين يرتّل آيات من العشق الجميل. عدسة «لها» زارت صالة «داما آرت» للقاء الفنانة التشكيلية ريما الديني، كي ترصد شغفها الكبير في عشق الموسيقى والذي كان ظاهراً في معرضها «هارموني» حيث تناغم اللون مع الإيقاع وسجّل أجمل الألحان. تعشق ريما لغة الغواية المتفردة في العمل الفني لتوثّق الحدث بماهيته، ما الذي تريدين إيصاله الى المتلقي في معرض «هارموني»؟ في كل ذاتٍ إنسانية ما يربطها بلحنٍ موسيقي أو بأغنية تظل مستوطنة في العمق، روحياً ووجدانياً وعاطفياً. ولأن معرض «هارموني» كان القصد منه التوافق الروحي مع النغم واللون، فقد شكّلت هذه العناصر الثلاثة محور معرض «هارموني». - أدركُ مدى تعلقّك بالموسيقى، لكن ما هي رسالتك وراء هذا التناغم؟ في داخلي مجموعة رسائل للإنسانية أتمنى أن نحقّقها لنعيش بسلام على هذا الكوكب الجميل، لأن الموسيقى لغة الشعوب وهي التي ترسّخ مفهوم الجمال في النفس البشرية لتعيش بسلام وطمأنينة. - ماذا تجدين في الموسيقى؟ حين تبدأ الموسيقى تُرسل حنينها، وتحضنني بإيقاعها، فترقص روحي معها وأحلّق في فضاءات الكون، فتعطي مراكز الحس في قاع ذاكرتي أوامر لأناملي كي تبدأ بالعزف على سطح اللوحة وترسم عالمي الذي أحبّ، وأحقق متعتي الجميلة تلك. - ما شكل هذا العزف بالأنامل بفرشاة متفردة؟ فرشاتي تنقش الإيقاعات التي سمعتها، فتترجمها على اللوحة فنّاً تشكيلياً حسب الأوامر التي يصدرها الدماغ، والذاكرة تلقّنها ما حفظته من معاني الحزن والفرح. - لكل معرض نكهته الخاصة، بمَ يتميز معرض «هارموني»؟ «هارموني» هو المعرض الثاني لعزفي الموسيقي الذي مارسته منذ نعومة أحلامي، مما جعلني أعيش في عالمي الموسيقي المتكامل. - هل هو غرور أم نرجسية؟ كل فنان مغرور وفيه نزعة نرجسية إنسانية ليس إلا. - فرض اللون الأصفر حضوره في هذا المعرض، ما أهميته بالنسبة إليك؟ أعشق اللون الأصفر لأنه الأكثر فرحاً ويمنحني سعادة مطلقة تسرّ الناظرَين، وأحب أيضاً اللون الأزرق فهو يمنحني الهدوء. - بين الأصفر الحار والأزرق البارد، أين نجد ريما؟ أُثبت حضوري الفني بقوة بين لون حار وآخر بارد، وأحقق تمايزاً بين اللونين الجميلين. - الناي ترقُّ له القلوب والعازف يحمل لمسات حزن في عينيه، ما الذي يغريك لتسليط الضوء عليه؟ آلة النفخ عموماً تُشعرني بروح العازف، فكيف بنايٍ حزين يثير في روحي الشجن، ويجعلني أعيش بمزاج هادئ وراقٍ. - لآلة الأكورديون خصوصيتها في الفرح... التنقل بين الحزن والفرح هل هو سمة في شخصيتك؟ يطغى على شخصيتي الفرح بشكلٍ عام، لكنني بالمجمل مزيج من الحزن والفرح، ففي أعماق كل إنسان جانب من الحزن يظهر فجأة، أما أنا فأحوّله إلى فرح جميل. - فيروز غنّت «أعطني الناي وغنِّ فالغنا سر الوجود»، ماذا تقول ريما؟ أنادي «أعطني الناي للسلام في العالم». - هذا المعرض امتداد لمعارض سابقة لكل منها نكهته الخاصة، وكان في كل معرض حضور للموسيقى، وهو ما رأته «لها» في معرض «إيقاع» ثم «مساحة غائبة» ومن ثمّ «البيات»، ما السبب؟ نظراً لارتباطي الوثيق بالإيقاع، أترك ألواني تعزف على الجمال، وكل ما أسمعه في الطبيعة يوحي لي بالإيقاع مثل صوت المطر، سواء كان هتاناً أو ودقاً، وأسرح مع هدير البحر حين تتلاطم أمواجه لتقبّل خدود الشطآن، أو تتربع في حضن الصخور، أما شقشقة العصافير وهديل الحمام فلهما حكاية أخرى في صنع الفرح... كلها تستفز روحي وترتبط بأعمالي الفنية التي أترجمها جمالاً في لوحاتي. - ماذا يمنحك موج البحر وصوت المطر؟ موج البحر يمنحني القوة، والمطر يجعلني رومانسية إلى أقصى الحدود، وتعتمر روحي نشوة حب تشقّ عنان السماء. - هل ريما في حالة عشق؟ أعيش دائماً في حالة حبّ لأرسم الجمال، لأنني أعشق كل شيء في الحياة. - عشقك للموسيقى تجلّى في معرض «البياتي» الذي تمايز فيه البياتي لوناً وشكلاً وموضوعاً... معرض «البياتي» من مقام البيات، وهذا المقام تحديداً يتطابق مع شخصيتي، وهو بسهولة ينقل الشخص من الحزن إلى الفرح ومن الفرح إلى الحزن. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أغنية أم كلثوم «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه»، وأغنية فيروز «سألوني الناس عنك يا حبيبي» وأغنية عبدالحليم حافظ «جانا الهوى»، و»أحبك لو تكون حاضر» لطلال المداح، و»ليلة خميس» لمحمد عبدو. - هل يعيدك مقام «البياتي» إلى جذورك؟ بالتأكيد، يعيدني هذا المقام الى جذوري، إلى ولادتي وصرختي الأولى في هذه الحياة. أعيش بإيقاع معين، وحين «أطبطب» على الطفل يصمت أو ينام... يا له من إيقاع جميل. - ما الذي أخذك الى زمن الإيقاع، أهو رصد العشق اللاهوتي في رقص الفالس؟ نجد في معرض «مساحة غائبة» كل أنواع الرقص من فالس وتانغو وسلو... والرقص الكلاسيكي الجميل يأخذني الى عشق لاهوتي أُبحر بعيداً في ثناياه لأجد نفسي في عالم مليء بالحب والحنان ويحضنني بين ذراعيه بكل ما يملك من قوة ليبحر هو الآخر في مجاهلي. - أي الألوان تحبّين؟ أحب الألوان الواضحة والصريحة والحارّة، لكنني أعشق اللون الأصفر بالذات، فمن الصعب لأي إنسان أن يتعامل معه أو يرتديه، لأنه لون يحتاج الى شخصية جريئة وقوية. - ما سرّ ربطك الموسيقى بالفن التشكيلي؟ أي تناغم لوني في أي عمل تشكيلي يعزف موسيقاه الجليلة بمقامات مختلفة. - هل ترضي صالة «داما آرت» روحك؟ الصالة هي جزء من روحي وحياتي، وأعتبرها ابنتي التي كلما كبُرت اتّسعت حبّاً وعطاء لكل فنان. - ريما الديني سيدة أعمال أم فنانة؟ أنا فنانة تشكيلية ولا علاقة لي بعالم الأعمال. - كيف تقيّمين الحركة التشكيلية في المملكة؟ وماذا أضافت رؤية 2030 الى الفنانين؟ الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية تتطوّر يوماً بعد يوم، وخاصة بعد رؤية 2030 التي فتحت آفاقاً كثيرة أمام الفنانين التشكيليين السعوديين فأصبح لديهم «بينالي إسلامي» و»بينالي الدرعية» وغيرهما من المعارض الجميلة، كما أنها حجزت لها موقعاً قوياً بين فناني العالم العربي والدولي. - احتفلت المملكة بـ«يوم التأسيس»، ما الرسالة التي وجّهتها ريما لوطنها في تلك المناسبة؟ رفعنا الراية منذ ثلاثة قرون، وتعلّمنا من ماضٍ تليد حتى وصلنا إلى حاضر مجيد، يغدق على وطننا ومجتمعنا نعمة الأمن والأمان حكومةً وشعباً بوجود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان حفظه الله. المملكة رمز الشموخ والعزّة والكرامة. - كلمة أخيرة... أشكر مجلة «لها» الغرّاء، وأقول للمرأة السعودية انطلقي وسابقي طموحاتك في ظل الحكومة الرشيدة وولي عهدها.
مشاركة :