من خلال عقد ما يسمى بالدورة الثانية من "قمة من أجل الديمقراطية" من الثلاثاء إلى الخميس، يمكن لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تزيد من تقسيم العالم إلى معسكرات متعارضة، وهو ما يؤجج نار المواجهة الأيديولوجية التي لن تجلب سوى المزيد من الاضطرابات. وخلافا للقمة الافتتاحية التي عُقدت عام 2021، حيث كانت واشنطن الجهة المنظمة الوحيدة، اختارت واشنطن أربع دول أخرى مضيفة للاجتماع الثاني، هي كوستاريكا وهولندا وكوريا الجنوبية وزامبيا، الأمر الذي يقوم -- وفقا لجدول القمة -- بنسج خيوط خطاب الديمقراطية في مسائل السياسة والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والتكنولوجيا. -- معايير محيرة على الرغم من أن اختيار مضيف مشارك من قارة من قارات العالم الرئيسية الأربع هو ترتيب متعمد يهدف إلى عرض الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لإقناع الأمم في جميع أنحاء العالم بمزايا "القيمة الديمقراطية" فضلا عن جدوى "المؤسسات الديمقراطية" وموثوقيتها، إلا أن العالم عموما من غير المرجح أن يقبل بهذا التفاخر، وسيثبت على الأرجح أن هذا المهرجان عديم الفائدة. وبغض النظر عن المضمون المعلن للقمة، فقد أثارت قائمة المدعوين وحدها قدرا كبيرا من الانتقادات من الخبراء، الذين أشاروا إلى استبعاد بعض حلفاء الولايات المتحدة في حين تم إدراج بلدان "تتراجع" فيها الديمقراطية. وكتب دانيال لاريسون في مقال نشره معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول يقول إن "إحدى المشكلات تكمن في أن المضيفين قد ينتهي بهم الأمر بدفع ثمن سياسي لاستبعادهم بعض الدول من حضور مما هو أكثر قليلا من مجرد محفل لكلام كله تمجيد". فقد لاحظ لاريسون وخبراء آخرون أن تركيا والمجر، بصفتهما عضوتين في منظمة حلف شمال الأطلسي -- وبالتالي حليفتين للولايات المتحدة، قد استبعدتا للمرة الثانية على التوالي من قائمة المدعوين، مما يشير إلى اعتراف واشنطن الزائف بهما كحليفتين. وعندما سُئل جون كيربي منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي عن سبب استبعاد أنقرة وبودابست، فشل في تقديم سبب، مكتفيا بإخبار الصحفيين في مؤتمر صحفي افتراضي يوم الثلاثاء أن الولايات المتحدة "ملتزمة للغاية بتعزيز وتوطيد علاقاتنا مع تركيا والمجر". وفي هذا الصدد، قال لاريسون إنه "إذا رفض المضيفون رسم أي خطوط حول الدول التي يمكن أن تشارك، فإنهم يعرضون أنفسهم للانتقادات القائلة بأن القمة ليس لها أي مضمون"، مضيفا أن الولايات المتحدة وزملاءها من الدول المضيفة يتخذون قرارات تعسفية بشأن اختيار المشاركين وهم بهذا سيعرضون أنفسهم لـ"اتهامات بالنفاق والمحسوبية". -- الإجبار على الانحياز ذكر السفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف أن القمة الجارية، شأنها شأن القمة السابقة التي عقدت في عام 2021، لن تسفر عن أية نتائج للتقدم الديمقراطي بالنسبة للمشاركين. وقال المبعوث الروسي لمجلة ((نيوزويك)) الأمريكية، في مقابلة أجريت معه في الأيام التي سبقت القمة، إن موسكو حددت ثلاثة عيوب برزت في القمة الأولى على أساس مناقشات دارت مع أولئك الذين شاركوا فيها. ونقل عن أنتونوف قوله "اتضح أن الكثيرين منهم، أولا، لم تكن لديهم فكرة عن ماهية تعهد واشنطن"، مضيفا "ثانيا، كانوا مدفوعين بأهمية التواجد في مجموعة من "الديمقراطيات الرائدة" في العالم. وثالثا، كما قال بعض الدبلوماسيين، اتباع طريق المقاومة الأقل". وأضاف أنه "لم يُطلب أي شيء، كما إن إنشاء منتدى آخر للمناقشات حول التحولات الديمقراطية لا يترتب عليه أي عواقب بالنسبة لبلدانهم"، مشيرا إلى أن "الوضع مع "القمة" الثانية هو نفسه ولم يتغير في واقع الأمر". واتفق وليام جونز، رئيس مكتب مجلة ((المراجعة الاستخباراتية التنفيذية)) الأمريكية في واشنطن، في مقال رأي مع وجهة نظر السفير الروسي بأن المشاركين اضطروا إلى الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة. وقال جونز "عندما توجه الولايات المتحدة دعوة، يجب على المرء أن يقبل، لأن الرفض سيؤدي إلى الانتقام من دولة أثبتت أنها يمكن أن تكون قاسية للغاية في التعامل مع العصاة". -- نموذج فاشل لا يمكن الاقتداء به فيما يتعلق بمضمون القمة، أطلع كيربي الصحفيين في مكالمة صحفية يوم الاثنين على عدد من المنجزات التي سيتم الإعلان عنها في القمة. قال إن "الفكرة الكاملة لقمة من أجل الديمقراطية تكمن في الدفاع عن فكرة الديمقراطية ذاتها، والإقرار بأن الحفاظ على المؤسسات الديمقراطية يتطلب الكثير من العمل والجهد، والأمانة، والشفافية، والمساءلة". بيد أن الشفافية والمساءلة هما بالضبط ما تفتقر إليه الآن المؤسسات السياسية الأمريكية. وعلق لاريسون قائلا "نحن بحاجة إلى حكومة تكون أكثر شفافية وخاضعة للمساءلة أمام الشعب"، مضيفا "إن قادتنا يعظون بالديمقراطية لبقية العالم بينما يهملونها أو يضعفونها في الداخل". ومن جانبه يرى أنتونوف أن الديمقراطية الأمريكية معيبة للغاية. وقال إن أسئلة أثيرت "من حيث المبدأ، حول قدرة واشنطن وحقها الأخلاقي إلى حد كبير -- وهي تواجه مسائل خلافية في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل البلاد -- في فرض شرائعها وطريقة حياتها على الآخرين". "ألا تواجه أمريكا مشاكل مع العنصرية والعنف المسلح والفساد وعدم المساواة الاجتماعية؟ لماذا يعيش ما يقرب من 40 مليون شخص تحت خط الفقر في أغنى بلد في العالم؟ ومع ذلك، فإن أكثر الأمريكيين ثراء وعددهم 50 هم أغنى من نصف سكان الولايات المتحدة"، حسبما ذكر المبعوث الروسي. وقال "هناك أيضا مشكلة واضحة في حرية التعبير، تتجلى بوضوح من خلال "ثقافة الإلغاء" -- استبعاد الناس من المجال العام بسبب الآراء المعارضة". وقد صرح دانيال كوفالك، المحامي الأمريكي، الذي يدرس حقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق بجامعة بيتسبرغ، لوكالة أنباء ((شينخوا)) في مقابلة أجريت معه مؤخرا، قائلا "إن فكرة أننا سننشر الديمقراطية هي مجرد فكرة سخيفة، لأننا لا نملك ديمقراطية لننشرها". وقال "الناس في أمريكا لا يعتقدون أن حكومتهم تمثلهم، وهذا صحيح"، مضيفا "نحن نهمل بنيتنا التحتية. ونحن نهمل صحة شعبنا. ونظامنا المصرفي يتهاوى...ولدينا أكبر عدد من السجناء في العالم مقارنة بأي بلد آخر من حيث الأعداد المطلقة ونسبة السكان".
مشاركة :