ملامح الحرب الباردة الجديدة

  • 4/2/2023
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مر‭ ‬عام‭ ‬تقريبا‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية،‭ ‬وفيما‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حربا‭ ‬خاطفة‭ ‬يتم‭ ‬حسمها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬انطلاقة‭ ‬لحرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬بات‭ ‬يتجه‭ ‬أكثر‭ ‬نحو‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬تكون‭ ‬نقطتها‭ ‬المشتعلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬أوكرانيا‭.‬ من‭ ‬الصعب‭ ‬القول،‭ ‬إن‭ ‬أطرافا‭ ‬أخرى‭ ‬لن‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬ولن‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬تقاتل‭ ‬في‭ ‬جبهات‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬يصعب‭ ‬توقع‭ ‬أن‭ ‬تنخرط‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭. ‬ثمة‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬وتوترات‭ ‬يتم‭ ‬تصعيدها‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬لأخرى‭ ‬وإخراجها‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نزع‭ ‬الفتيل‭ ‬الكبير،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬القصد‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬النيران‭ ‬مشتعلة‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق‭.‬ لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬وتدخل‭ ‬عامها‭ ‬الثاني‭. ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬مجرد‭ ‬ضربات‭ ‬روسية‭ ‬تبعها‭ ‬ضم‭ ‬لبعض‭ ‬الأقاليم‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بالانفصال‭ ‬عن‭ ‬كييف‭. ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬مجرد‭ ‬حرب‭ ‬قصيرة‭ ‬أو‭ ‬تصعيد‭ ‬محدود‭. ‬لكنه‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬بات‭ ‬يتضح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭. ‬فالقصف‭ ‬استمر،‭ ‬وضرب‭ ‬المدن‭ ‬استمر،‭ ‬وحرب‭ ‬الجسور‭ ‬تواصلت،‭ ‬واستهداف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تصاعد‭. ‬وصار‭ ‬جلياً‭ ‬أن‭ ‬حربا‭ ‬مختلفة‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬وأنها‭ ‬كلما‭ ‬مر‭ ‬الوقت‭ ‬صارت‭ ‬أكثر‭ ‬بعدا‭ ‬عن‭ ‬التوقف‭.‬ لم‭ ‬تتوقف‭ ‬الحرب‭. ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬الخطاب‭ ‬المتصاعد‭ ‬والمطالب‭ ‬المتزايدة‭ ‬ودخلت‭ ‬الحرب‭ ‬الإعلامية‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬التصعيد‭ ‬وتم‭ ‬استخدام‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض‭ ‬ومحاولة‭ ‬الاستنجاد‭ ‬بقاموس‭ ‬الحروب‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تشبيه‭ ‬العدو‭ ‬بالنازية‭ ‬أو‭ ‬الفاشية‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬دخلنا‭ ‬حربا‭ ‬جديدة‭.‬ ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬تمددا‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬الغربيون‭ ‬مكتوفي‭ ‬الأيدي‭. ‬ كان‭ ‬تدخلهم‭ ‬ليس‭ ‬خوفا‭ ‬على‭ ‬كييف‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كذلك،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬انتصارات‭ ‬روسية‭ ‬قد‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تعاظم‭ ‬القوة‭ ‬الروسية‭ ‬وبالتالي‭ ‬إضعاف‭ ‬تمدد‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬لو‭ ‬سمح‭ ‬بوتين‭ ‬بدخول‭ ‬كييف‭ ‬في‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬لكانت‭ ‬صواريخ‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬نافذة‭ ‬غرفة‭ ‬نومه‭. ‬وربما‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ ‬أن‭ ‬يتوقع‭ ‬بوتين‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن‭ ‬وباريس‭ ‬وبرلين‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬تنظر‭ ‬إليه‭ ‬يزحف‭ ‬نحو‭ ‬حوض‭ ‬النفوذ‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬ووسط‭ ‬أوروبا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يعرض‭ ‬كل‭ ‬انتصارات‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬للخطر‭.‬ كان‭ ‬متوقعاً‭ ‬أن‭ ‬تتدحرج‭ ‬الأمور‭ ‬كلما‭ ‬مر‭ ‬الوقت‭. ‬وفيما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يجزم‭ ‬كم‭ ‬ستستمر‭ ‬المدافع‭. ‬فإن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬بين‭ ‬قادة‭ ‬الحرب‭ ‬الحقيقية‭ ‬أي‭ ‬موسكو‭ ‬وواشنطن‭. ‬وبكلمات‭ ‬تعني‭ ‬ذلك‭ ‬بالقليل‭ ‬فإن‭ ‬واشنطن‭ ‬كان‭ ‬تخوض‭ ‬حربا‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬كييف‭ ‬تقوم‭ ‬بالأمر‭ ‬نيابة‭ ‬عنها‭ ‬وبسلاحها‭ ‬وعتادها‭.‬ كلما‭ ‬مر‭ ‬الوقت‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬توقع‭ ‬نهاية‭ ‬المعركة‭ ‬لأن‭ ‬الجميع‭ ‬صعد‭ ‬على‭ ‬الشجرة‭ ‬وصار‭ ‬النزول‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مبادرة‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬حسم‭ ‬وحسم‭ ‬نهائي‭. ‬وبقدر‭ ‬منطقية‭ ‬توقع‭ ‬إصرار‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬كسر‭ ‬أنف‭ ‬زيلينسكي‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬توقع‭ ‬تصاعد‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬لكييف‭ ‬حتى‭ ‬تواصل‭ ‬الحرب‭ ‬لاستنزاف‭ ‬موسكو‭. ‬الحرب‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬أحداً‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحسمها‭. ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الموافقة‭ ‬غير‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬بأن‭ ‬استمرارها‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬خسارة‭ ‬أي‭ ‬طرف‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تدفع‭ ‬الثمن‭ ‬غالياً‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تدمير‭ ‬مدنها‭ ‬وقراها‭ ‬وحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬عافيتها‭ ‬بسهولة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والحربي‭ ‬الأمريكي‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تضع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬وتستنزف‭ ‬قدراتها‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬حقيقة‭ ‬القدرات‭ ‬الكامنة‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬استكشافا‭ ‬متواصلا‭ ‬وثمة‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬الصراع‭ ‬وإن‭ ‬عبر‭ ‬ساحة‭ ‬معركة‭ ‬ثالثة‭.‬ وربما‭ ‬يمكن‭ ‬رد‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬كونها‭ ‬استمراراً‭ ‬للحرب‭ ‬الباردة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تضع‭ ‬رحاها‭ ‬بعد‭. ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬ضم‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬وإلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬خططه‭ ‬لإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬اقتصادات‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬وبالتالي‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬الحكم‭ ‬فيها‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تأهيلها‭ ‬لتكون‭ ‬تابعة‭ ‬للغرب‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تنته‭. ‬ القصة‭ ‬ليست‭ ‬أن‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬سقط‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬بات‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ثمة‭ ‬عداوة‭ ‬لم‭ ‬تختف‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬هدأت‭ ‬وربما‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬تطلبت‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬السكون‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬تنته‭.‬ لم‭ ‬تكن‭ ‬زيارة‭ ‬بايدن‭ ‬لكييف‭ ‬رغم‭ ‬الحرب‭ ‬والقصف‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬طلب‭ ‬ضمانات‭ ‬بألا‭ ‬يتم‭ ‬التعرض‭ ‬له،‭ ‬وكذلك‭ ‬زيارته‭ ‬لوارسو‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قلب‭ ‬الحلف‭ ‬النقيض‭ ‬لحلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬،‭ ‬مجرد‭ ‬زيارة‭ ‬عادية‭. ‬فالرجل‭ ‬العجوز‭ ‬مدفوع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإدارة‭ ‬ليؤدي‭ ‬الدور‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬تربيط‭ ‬التحالفات‭ ‬وتأكيد‭ ‬التزامات‭ ‬واشنطن‭ ‬لحماية‭ ‬شركائها‭. ‬بايدن‭ ‬يمشي‭ ‬بجوار‭ ‬زيلينسكي‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬وارسو‭ ‬في‭ ‬رسائل‭: ‬سنواصل‭ ‬دعم‭ ‬شركائنا‭ ‬الجدد،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬موسكو‭.‬ بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬ثمة‭ ‬معركة‭ ‬أهم‭ ‬وهي‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬تحييدها‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تصعيد‭. ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬سياسة‭ ‬الانكفاء‭ ‬التي‭ ‬تلوح‭ ‬بوادرها‭ ‬قريبا‭ ‬فإن‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬مشاكلها‭ ‬وحدها،‭ ‬يكفي‭ ‬تورط‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬كونية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭. ‬وعليه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬حرب‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬تصعيد‭ ‬مباشر‭. ‬جل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬فعله‭ ‬هو‭ ‬تسليح‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنهار‭ ‬وتجد‭ ‬الدبابات‭ ‬الروسية‭ ‬طريقها‭ ‬غربا‭. ‬إنها‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬ستطول‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬قرر‭ ‬بوتين‭ ‬أمرا‭ ‬مختلفا‭.‬ { كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :