< ما أجمل تبيان الحق، وتبيان الفكر المعتدل الإيجابي في كل أمور الحياة! الفكر هو المحرك الأساس في كل المجتمعات، فهو المؤشر لرقيها ووعيها أو العكس، مؤشر يدق جرس الخطر. الفكر يحتاج إلى غذاء معرفي، وإدراكي، ووجداني، وعقلي، يتم تزويده بمهارات التفكير، الإبداع والخيال، والاستكشاف وفك الغموض، إضافة إلى مهارات عقلية وذهنية، تساعد في عملية النمو، تبدأ منذ مرحلة الطفولة، لذا التنشئة الاجتماعية السليمة والأنموذج الجيد والمتوازن هي الأساس في هذه المرحلة، الفكر ربما يتبدل ويتغير بتغير مراحل الإنسان الذي يعيش فيها، لكن يظل هناك عمق وبذرة في أعماقنا، إن أصابت أصبحت إيجابية في عطائها، وفرصة في التعبير والإفصاح من دون خوف، واستطاعت طرح الأسئلة بأنواعها كافة، والتي يبدأ بها الطفل ببراءة وفضول. من هنا تبدأ رحلة تطور هذا الفكر الذي يحتاج إلى وقود من المعرفة، والمهارة، والخبرة، التي يتعلمها الإنسان من بيئته النووية، أو بيئته العائلية والاجتماعية، لذا صناعة الفكر السليم والمتوازن المتصالح مع ذاته يحتاج إلى أسس وقيم إنسانية عظيمة، وهذا لن يأتي إلا من النماذج الواقعية التي يشاهدها أبناؤنا فينا في مرحلتهم الطفولة وما فوق. هي لا تلقن، ولا تأتي عن طريق الحفظ أو التدوين، إنما تأتي من خلال التحليل والتفسير، وإشباع فضول الإنسان في عملية الطرح والإجابة، من هنا يصنع العالِم، والمفكر، والمبدع، من هنا يتحرر الفكر من قيوده الوهمية التي قيدته في حدود الرؤية الضيقة، وعدم إفساح المجال للخيال والإبداع في التأمل أو طرح الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، وهنا -للأسف- يظهر قصورنا الكبير في الابتعاد عنهم فكرياً ومعنوياً، واكتفينا بالجانب المادي فقط، وبتوجيههم بـ«لا» أو «نعم». عندما أغفلنا هذا الجانب وركزنا على المظهر، وما يحتوي عليه من فراغ، وجعلنا السطحيات تغلب الفكر، فأصبح ساذجاً ومحدوداً، بل أصبح لا يستطيع أن يميز أو يقرر، فسقط الكثير في جهل التطرف الفكري، من نبذ الآخر وكل مختلف عنه، وتحجَّر الفكر أكثر، وأصبح عائقاً في حياتهم ومستقبلهم، تجده أحياناً في العمل، أو في المنزل، أو بين الأصدقاء، شخصيات متحجرة في فكرها وطرحها، إما أن تكون معي، أو أن تكون ضدي، سواءً أكان تعصباً فكرياً تجاه أشخاص، أم تعصباً قبلياً، أم تعصباً كروياً، كلها بالصورة نفسها، خلفها فكر متحجر ومحدود، لذا كان بعضنا طُعماً سهلاً لجماعات متطرفة، تسعى للفرقة وزعزعة الأمن. وهذا ما يستغله أصحاب التطرف في زرع الفتن، ونبش الفرقة، وإذكاء العنصرية بأنواعها كلها. برنامج «تبيان»، هو برنامج خاص بالحوار الفكري (الأمن الفكري)، يقوم بطريقة بارعة في هيكلة واضحة المعالم (من دراسات وبحوث علمية)، بدرس أسباب التطرف، ومنبعه، وجذوره، وتأثيره، ثم يطرح طرقاً عدة في كيفية التخلص منه نهائياً، يتفرع البرنامج على محاور أساسية عدة، تعريف الفكر المتطرف، ومراحله، ومؤشراته، وكيفية التخلص منه. يقوم برنامج «تبيان» بإعداد مدربين خاصين في الحوار الفكري، كما يقوم البرنامج بتعريف الفكر المتطرف، ومؤشراته، والدلائل عليه، إضافة إلى تزويد آلية المفكر الناقد الذي يستطيع أن يحلل، ويفسر، ويقيِّم الصواب من الخطاء، وتزويد المدربين بمهارات فكرية وعقلية في طريقة الحوار، ومناقشة كل من لديه سؤال أو استفسار عن هذا الفكر المتطرف، وهنا يكمن الذكاء في مواجهة الفكر بالفكر عن طريق -كما ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي- التفسير، والتحليل، والهدف من كل فعل ورد فعل، وهذا من أعظم الأسلحة التي يحتاج إنسان إليها اليوم، تحرر العقل والفكر من التبعية، إذ يتم تزويدهم بهذه الأدوات التي تجعلهم أينما ذهبوا يستطيعون أن يدركوا أين الصواب والخطأ؟ أين يكمن الخطر والحذر؟ يشرف على برنامج «تبيان» المدير العام لأكاديمية الحوار للتدريب إسماعيل العمري، ومستشارة التدريب مساعدة مديرة القسم النسوي في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الدكتورة فاطمة القحطاني، ومساعد أكاديمية الحوار للتدريب مستشار التدريب الدكتور محمد السيد، ومستشار أكاديمية الحوار لتدريب الدكتور سعيد العمودي. برنامج «تبيان» جزء مما يقوم به مركز الحوار الوطني، ظهر من تحت مظلته ودعمه وتوجهاته على مستوى المملكة في معظم المناطق، برنامج جبار يعيد للإنسان فكره السليم، والأهم ماذا تعني الحياة الآمنة الكريمة؟ وماذا يعني حب الوطن والمحافظة عليه؟ ليس فقط بالقول، بل بالعمل على إعادة قيمة الفكر الواعي والمتوازن، الذي يقبل كل مختلف عنه، ولا ينجرف إلى الفكر المتطرف، ولا إلى سفك الدماء، ولا إلى تكفير الآخرين لمجرد الاختلاف، هذا ما يجعلنا نعيش بيئة إنسانية متوازنة، محبة ومسالمة، وهذا ليس مقصوراً على مركز الحوار الوطني، بل دور بقية المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية، بأن نكون يداً واحدةً ضد التطرف. Haifasafouq@
مشاركة :