خطة السلام التركية... من بنات الخيال

  • 2/10/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كنت أتابع رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، عبر شاشة التلفاز وهو يعلن من ماردين خطة الحكومة لتنمية جنوب شرقي تركيا من أجل تخفيف شدة المشكلة الكردية هناك. بحثت فوراً في غوغل عن المسألة، وطالعتُ مقالاتي القديمة، فوجدت أن الحكومة أعلنت عن 17 خطة سابقة لتطوير جنوب شرقي تركيا بين 1990 و2002. وهذا عدد كبير من الخطط التي لم تبصر النور، بل هي ساهمت في تبديد صدقية الحكومة في هذه المسألة، وتحول الامر الى مزحة سمجة إذ نسمع عن خطة جديدة من هذا النوع. ففي كل مرة كان الجبل يلد فأراً: خطط كبيرة وطموحة، ولا شيء يتحقق منها. وفي 2008 أعلنت حكومة أردوغان عن خطة تنمية ضخمة لخمس سنوات قيمتها 15 بليون دولار. لكن الامور بقيت على حالها: لا السلام الكردي أُرسي ولا دارت عجلة التنمية المنشودة. فهل سيتغير الوضع اليوم، وتكون النتيجة مختلفة هذه المرة؟ لا، طبعاً. فطالما بقي النهج نفسه في القصر الرئاسي وفي أجهزة الدولة والحكومة هو الغالب على عملية السلام مع الاكراد، لن تخلف التنمية أثراً يذكر. فهل يتغير هذا النهج من اجل ارساء السلام مع الاكراد، وتصير هذه الخطط أكثر واقعية؟ لا أعتقد. لم أجد في اقتراحات داود أوغلو ما يبعث على التفاؤل، بل هي تراجع عما اقترح في الماضي. فالاقتراح الحكومي اليوم ينفي صفة المخاطب أو المحاور من أجل السلام مع الاكراد عن أوجلان وحزب «العمال الكردستاني» وحزب «الشعوب الديموقراطي». ولن يكون بينهم وبين الحكومة حوار. ويعيد خطاب داود أوغلو الى الاذهان كلام مسؤولين سابقين باسم الدولة وليس الحكومة، ولسان حالهم «الامن أولاً ثم الإصلاح السياسي...علينا أن نتكاتف ونرص الصفوف وسنضمد جراحنا معاً...الاكراد والأتراك سواسية في هذا الوطن». كل هذا سبق ان سمعناه، وحسبنا أن حزب «العدالة والتنمية» قد يختلف عن سابقيه، وهو خطا خطوات نحو التغيير، لكنه عاد الى أسوأ مما كان عليه أسلافه. واستوقفني قول داود أوغلو: «طاولة الحوار ستنتقل إلى أنقرة، لن يكون حوار مع أوجلان أو حزب «الشعوب الديموقراطية»، ولا مع حزب «العمال الكردستاني» إلا حين يلقون السلاح الى الابد... وستشكل هيئات استشارية من المواطنين وسنتحدث معهم (المواطنين) مباشرة حول كيفية حل هذه المشكلة». هنا، قلت في نفسي «هداهم الله وأصلح بالهم»! يريد داود أوغلو أن يستثني أوجلان، صاحب الزعامة الشعبية والسياسية بين الاكراد، من المفاوضات، وأن يستبعد حزب «الشعوب الديموقراطية» الذي حصد 6 ملايين صوت في الانتخابات الأخيرة، ويرغب كذلك في تحييد «الكردستاني»، وهو القوة الكردية الضاربة الممسكة بمقاليد السلاح والعمل التنظيمي الميداني، ثم يقول إن لديه خطة سلام! لن أقول بأن هذا حلم بعيد من الواقع، بل هو من بنات الخيال! وهذا خطير. فالانسان قد يستيقظ من حلمه ليدرك الواقع، لكن من يعيش في عالم الخيال يتعذر عليه ادراك عالم الواقع. ومع الوقت تتسع الفجوة بين ما تبدو الحكومة مستعدة لسماعه من مطالب الاكراد، وبين ما يريده الاكراد فعلاً. ولا يسع النهج الحكومي الحالي حل نزاع يستمر منذ أربعين عاماً. وطالما ان الحكومة تلتزم موقفاً يطيل من عمر الازمة، ينتظر الاتراكَ مستقبلٌ مليء بالدماء والمآسي.     * كاتب، عن موقع «24» التركي، 6/2/2016، إعداد يوسف الشريف

مشاركة :