ترتبط أفلام عبد الله المحيسن ببعضها بعضا، ينتظمها خيط رفيع يجعلها حكاية واحدة، فكل منها يكمل الآخر، تستند على فكر صاحبها، ووعيه، وحسه العالي بما يدور حوله، وحول العالم، يكتب بالصورة ما يكتبه أشهر سياسي بقلمه، بدأها بفيلم اغتيال مدينة عن الحرب الأهلية في لبنان، ثم توالت أفلامه: الإسلام طريق المستقبل، الصدمة، في ظلال الصمت، وغيرها. لم يكن في أفلامه انحياز، لم يُقوّل شخصياته ما يريده هو، لا في الصورة البصرية، ولا في الحوار، ولا في التعليق، ينثرها على الشاشة، لنشاهدها تتحدث بإرادتها هي، كان يهدف إلى اغتيال السرديات الكبرى التي تتحكم في العالم، وأن الفرقاء المتصارعين ليسوا سوى أدوات شطرنج، ويفكك الحجر الذي تقاطر على العالم الإسلامي من كل حدب وصوب، ليبني منه جسرا للمستقبل، ويكشف الظاهرة الصدامية في حرب الخليج، وأنها كذبة كبرى، هي الأخرى. بينما يجعل للصمت ظلالاً، وما يلبث أن يزيح الظلال بإضاءاته السينمائية حتى يتلاشى، ليتحدث المثقف بصدق ماثلا كما هو بلا ظلال يحيل إليه. لم تتورط أفلام المحيسن في التيارات الفكرية، فلم يكن مخرجها شيوعيا كما تورط غيره، ولا قوميا، ولا بعثيا، ولا إسلامويا، كان وطنيا، ينطلق من الأرض، من الوطن، لذا بدا مستقبلاً، غايته الصدق، والسلام، والحب، مثلما هي غاية الفن، فالفن لا ينبغي له أن يكون مطية لحزب سياسي يكذب في اليوم ألف مرة، لهذا جاء فن المحيسن في أفلامه منطلقا من الأرض، يخدم وطنه، ويعلي من شأن الحقيقة. كان هاجسه في كل أفلامه تفكيك الكذب السياسي، وكشف أهداف الفرقاء السياسيين، وأنهم ليسوا سوى مد وجز لموج هائل أكبر من عقولهم، لذا هو يحاول أن يصدم وعيهم، ويكشف لهم الأمواج الشرقية والغربية التي تزلزل كيانهم في كل مرة، جاءت أفلامه اغتيالا لكل ذلك، وجسرا للمستقبل، وصدمة خليجية، وتلاشيا للظل، وكلاما مليئا بالصدق، رفض المحيسن المشاركة في مهرجانات سينمائية، طلبت منه اجتزاء بعض من مشاهد الفيلم شرطا لعرضه، رفض أبو محمد ذلك، وهو رفض طبيعي يتسق مع كل أفلامه التي تعلي من شأن الصدق، فهو لا يرغب أن يقول نصف الحقيقة، لمكاسب مهرجانية، أو امتيازات مالية، مثلما لا يريد أن تنتزع من فمه كلمة، وتعرض كلمات أخرى، يعرضون الأولى ويدسون الأخرى في التراب، لا، ليس هذا ما يقوله ولا ما يفعله. هذه تداعيات، إن شئت أن أسميها كذلك، من خلال لقاءاتي المتكررة بهذا الرجل المحنك، الذي تغيرت معه السينما، وبدت أفلامه غير، باتجاه إيقاظ الوعي العربي، وتقديم أنفسنا كسعوديين مستقلين كما نحن، همتنا كجبل طويق لا تنكسر.
مشاركة :