الرياض - اتسم رد الفعل الأميركي على قرار السعودية وعدد من أعضاء منظمة “أوبك+” بخفض إنتاج النفط لأكثر من مليون برميلا يوميا بالهدوء، حتى إن الرئيس جو بايدن قال إن “الأمر ليس بالسوء الذي تتوقعونه”، في موقف لا يخلو من براغماتية ويعكس عدم رغبة واشنطن في تصعيد الموقف مع الرياض وباقي الحلفاء في الخليج. وقررت المملكة مع عدد من أعضاء تحالف “أوبك+” القيام بخفض طوعي جديد لإنتاج النفط بمقدار مليون و649 ألف برميل، في خطوة فاجأت أسواق النفط العالمية، وأدت إلى ارتفاع الأسعار بنحو ثمانية في المئة. ومن المقرر بدء تنفيذ قرار خفض الإنتاج من الشهر المقبل واستمرار العمل به حتى نهاية العام الجاري، وإن كانت التقديرات تشير إلى أن الخفض الحقيقي سيكون أقل من الرقم المعلن بكثير، نظرا إلى أن أغلب دول أوبك وأوبك بلس لا تنتج حصصها المقررة بالفعل لأسباب مختلفة. جو بايدن: خفض إنتاج النفط لن يكون بالسوء الذي تعتقدونه جو بايدن: خفض إنتاج النفط لن يكون بالسوء الذي تعتقدونه واستحوذت السعودية وروسيا على الحصة الكبرى من الخفض الجديد بواقع 500 ألف برميل يوميا لكل منهما، وهو خفض يضاف إلى 500 ألف برميل خفضتها موسكو طوعا، بدءا من فبراير الماضي، لمواجهة العقوبات الغربية على إمداداتها من الخام المنقول بحرا، في ارتباط بأزمة أوكرانيا. ويقول بن كيهيل، كبير الباحثين في برنامج أمن الطاقة والتغير المناخي بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي، إن قرار خفض الإنتاج كان سيصبح أقل مفاجأة للأسواق لو صدر قبل أسابيع عندما تراجعت أسعار النفط العالمية بشدة على خلفية المخاوف الاقتصادية من تداعيات انهيار بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر الأميركيين وكريدي سويس السويسري. قبل أن تعاود الارتفاع نتيجة توقف تصدير نفط شمال العراق عبر ميناء جيهان التركي بفعل الخلافات بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد، مما حرم السوق العالمية من نحو 400 ألف برميل يوميا. ورغم أن القرار بدا غير مبرر أميركيا وذهب منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي جون كيربي إلى حد وصفه بـ”غير المنطقي”، في أول رد فعل، لكن الإدارة الأميركية سرعان ما تداركت الأمر وخففت اللهجة. وقال كيربي لاحقا إن واشنطن كانت على علم بقرار خفض الإنتاج، وإنها نصحت “أوبك” بعدم الإقدام على المزيد من الخفض، لأن هذا ليس من مصلحة السوق. وأضاف أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع المملكة العربية السعودية لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، واصفا الرياض بأنها حليف إستراتيجي. فيما نقلت وكالة رويترز عن الرئيس بايدن قوله إن خفض إنتاج النفط الذي أعلنته “أوبك+”، “لن يكون بالسوء الذي تعتقدونه”. ويرى مراقبون أن التعاطي الأميركي الهادئ مع قرار خفض إنتاج النفط يعود إلى إدراك واشنطن بأن أي عملية لاستعراض العضلات أو تصعيد مع السعودية لن يكون في صالحها، وقد يعمق الفجوة بينها وبين الرياض في ظل التحولات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة والعالم. ويشير المراقبون إلى أن واشنطن لا تريد تكرار نفس الخطأ حينما قررت السعودية وباقي أعضاء “أوبك +” في أكتوبر الماضي تخفيض إنتاج النفط، والذي قابلته واشنطن حينها بالتهديد والوعيد وذهبت حد الإشارة إلى إعادة تقييم العلاقات مع المملكة. uu ولم تحرك حينها تلك التهديدات أي قلق لدى المملكة التي أصرت على صوابية قرارها وشددت على أنه اقتصادي بحت، وليست له أي خفايا سياسية، كما حاولت واشنطن الترويج له. ويقول المراقبون إن إدارة بايدن لا تملك حقيقة أي خيارات سوى العمل على تصويب علاقتها مع الرياض، حيث تدرك أن استمرار الفجوة بينهما سيصب في صالح توجه المملكة أكثر صوب روسيا والصين، وهو ما تحاول فرملته. وشهدت العلاقات بين السعودية وروسيا وخاصة الصين تطورا لافتا في السنوات الأخيرة، تعزز في الفترة الأخيرة سواء من خلال الإعلان عن صفقات نفط ضخمة، أو برعاية بكين لمحادثات بين الرياض وطهران، توجت باتفاق على تطبيع العلاقات الثنائية في غضون شهرين. وأعلنت المملكة في وقت سابق من الشهر الماضي عن قرارها الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين، في بادرة تدل على رغبتها في إقامة علاقة طويلة الأمد مع بكين. وتثير علاقات السعودية بالصين قلقا كبيرا في الأوساط الرسمية الأميركية، التي تعمل على محاولة احتواء نفوذ بكين ومحاصرته، وهي محاولات تبدو حتى الآن أنها تأتي بنتائج عكسية، وسط ذهاب البعض من المحللين والمستشرفين إلى الاعتقاد بأن واشنطن باتت على قناعة بأن نظاما دوليا بصدد التبلور وأن جهودها منصبة فقط لتأخيره. وقال الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال مؤتمر عقد بالرياض في أكتوبر الماضي “ما زلت أسمع هل أنت معنا أم ضدنا؟”، متسائلا عن إمكانية سماع “نحن من أجل السعودية وشعبها؟”.
مشاركة :