عندما وصلت أزمة أوكرانيا إلى حد الصدام العسكري في أواخر فبراير من العام الماضي، لم يكن مواطنو الكثير من دول العالم يعلمون أن قوت يومهم سيتأثر بشكل مباشر، بتبعات هذه المعارك المستمرة حتى الآن. فالاشتباكات الدائرة تتخذ من المنطقة المعروفة بـ«سلة غذاء العالم»، مسرحاً لها، ما أدى لتدمير جانب كبير من إنتاج تلك البقعة من الحبوب، خاصة القمح والذرة، وهو ما لا يزال صداه يتردد في مختلف أنحاء العالم، لا سيما البلدان النامية، التي تعتمد في سد احتياجاتها الغذائية، على وارداتها من روسيا وأوكرانيا. فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، لعبت هذه الصادرات دوراً رئيساً في مد يد العون للعديد من الدول، التي تواجه انعدام الأمن الغذائي، بدرجة أو بأخرى، خاصة تلك الواقعة في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. ولذا أدى تضرر تلك الصادرات، إلى ارتفاع سعر القمح في القارة الأفريقية على وجه التحديد، بنسبة تقارب 45%، بعد شهور قليلة من اندلاع المعارك. بجانب ذلك، تعتمد الغالبية العظمى من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية، وخاصة برنامج الأغذية العالمي، على محاصيل القمح الروسية الأوكرانية، في ما يتعلق بمساعداتها المقدمة إلى بعض الدول الأكثر تضرراً من المجاعة، على وجه الأرض. وتفيد تقديرات نشرتها مجلة «أن دارك» الإلكترونية المستقلة، بأن استمرار تقلص حجم الصادرات الأوكرانية من الحبوب على مدار الشهور الـ12 المقبلة، يعني أن عدد من يعانون من نقص الغذاء في العالم، سيزيد بواقع ثمانية ملايين شخص على الأقل، ليصل إجماليه إلى 13 مليوناً، وهو ما يثير المخاوف، في أوساط الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها، والعاملة في المجال الإنساني. ولعل ذلك ما حدا بالأمين العام للمنظمة الأممية أنطونيو جوتيريش، للتحذير من أن للأزمة الأوكرانية أبعاداً متعددة، من شأنها التأثير بشكل مدمر «على الأشخاص والبلدان والاقتصادات الأكثر ضعفا وهشاشة في العالم»، وذلك على ضوء أن أوكرانيا صُنِفَّت في موسم الزراعة 2021 - 2022، على أنها من بين أكبر عشر دول مُنتجة للقمح والذرة والشعير وبذور عباد الشمس في العالم بأسره. وتشير بيانات كُشِفَ عنها النقاب مؤخراً، إلى أن حجم الخسائر التي لحقت بالمحاصيل الزراعية في أوكرانيا، زاد خلال الشهور الثمانية الأولى من المعارك، عن 11 مليار دولار، وذلك وسط توقعات بأن تبلغ قيمة الأضرار، التي لحقت بمحاصيل الموسم الشتوي الماضي، نحو 3 مليارات دولار. ويتوقع خبراء ألا يتجاوز الإنتاج الزراعي الأوكراني خلال العام الجاري، نصف ما كان عليه خلال 2022، سواء جراء استمرار المعارك في بعض المناطق المتاخمة للحقول الزراعية، أو بفعل تدهور حالة التربة وخصوبتها، على خلفية المواجهات العسكرية، المتواصلة منذ أكثر من عام.
مشاركة :