المنسف طيق وطني شعبي صمد عبر آلاف السنين سيداً للمائدة الأردنية

  • 4/5/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ويُطبخ "المنسف" الذي يوصف بأنه "سيد المائدة الأردنية" بلحم الأغنام البلدية، وكرات "الجميد" المحضرة من حليب الأغنام البلدية، والسمن البلدي، والأرزّ، واللوز والصنوبر لتزيينه. ويقول أشرف مبيضين (47 عاما) الذي يملك مع صديقه تامر المجالي (42 عاما) مطعم "مناسف مؤاب" في عمان إن "المنسف طبق مشهور في أكثر من دولة لكن أساسه وأصله من الأردن وهو الألذّ ونُسب إلى مملكة مؤاب قديما". ويضيف بينما يفرد الأرزّ ويرتّب قطع اللحم في طبق كبير أن المطعم "يقدّم الأكلات الشعبية الأردنية ومنها المنسف والفتيت (الخبز المفتت واللبن) والعيش (القمح المجروش المطبوخ) واللزاقيات (حلويات)، لكن سيد المائدة الاردنية هو المنسف". ويؤكد شريكه المجالي الذي كان يُعدّ طبق "الرشوف"، وهو عبارة عن طبخ جريش القمح والعدس والحمص المسلوق بلبن الجميد مع إضافة البصل والسمن البلدي ليتم تناوله كحساء، أن "المنسف هو سيد المائدة الأردنية، واذا اردت ان تكرم ضيفك لا يوجد ما هو أفضل من المنسف". وأُدرِج المنسف في كانون الأول/ديسمبر الفائت على لائحة التراث الثقافي غير المادي (الحيّ) لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). وجميع مكونات "المنسف" منتجة محليا، ويشتهر على سبيل المثال الجميد الكركي (نسبة إلى محافظة الكرك الواقعة على 118 كيلومتراً إلى الجنوب من عمان) والسمن البلقاوي (نسبة إلى محافظة البلقاء التي تبعد نحو 30 كيلومتراً إلى شمال غرب عمان). ويقول المؤرخ والكاتب جورج طريف لوكالة فرانس برس إن "المنسف كان بالأساس يصنع من ثريد لحم الضأن واللبن وخبز الشراك (خبز رقيق)". ولاحقا أصبحت "المادة الرئيسية للمنسف البرغل (القمح المجروش)، ثم تطور بعد اكتشاف الأرز الذي استخدم في المنسف في فترة متأخرة من القرن التاسع عشر". ويرتبط "المنسف" تاريخيا بالأردن من خلال حادثة تروى عن الملك ميشع، أحد ملوك مملكة "مؤاب" التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ودامت إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وامتدت حدودها على الساحل الشرقي للبحر الميت، من شمال مدينة الكرك (118 كيلومتراً إلى الجنوب من عمان) إلى الشوبك (نحو 205 كم جنوب عمان). ويقول طريف "كان مركز حكم الملك ميشع في الكرك، وكان يعلم جيدا أن اليهود لا يأكلون اللحم المطبوخ باللبن، وفقا لشريعتهم المستمدة من التوراة". واضاف "أراد أن يختبر ولاء شعبه المؤابي في الحرب ضد العبرانيين في المعركة الواقعة في القرن التاسع قبل الميلاد، فطلب من شعبه أن يطبخوا اللحم باللبن". واستجاب شعبه لطلبه، وبهذا وفقا لطريف "نسف ما جاء في التوراة ومنذ تلك الفترة سميت هذه الأكلة بالمنسف". ولذلك اختار مبيضين والمجالي تسمية مطعمهما "مناسف مؤاب"، نسبة إلى مملكة مؤاب. من جهته، قال الباحث والأكاديمي حسن مبيضين (58 عاما) لوكالة فرانس برس إن "التطور في المواد المستخدمة جاء حسب التطور في النتاج الاقتصادي والزراعي وطبيعة الحياة الاقتصادية". وأوضح أنه "قبل الانتقال من حالة الرعي كان إعداد هذه الوجبة يعتمد على اللبن الذي يستخرج من حليب الإغنام مع الخبز فقط". وأشار الباحث الذي ارتدى الكوفية الحمراء وتناول المنسف في مطعم "مناسف مؤاب" إلى أن القمح المجروش دخل الى المنسف بسبب الحاجة لإطعام أكبر عدد ممكن من الأشخاص وإشباعهم، ثم حل الأرز بديلاً عنه. وهناك أكلات أردنية قد تكون اندثرت مثل "شوربة الجعدة" المحضرة من نبات الجعدة البري والعدس واللبن، او"الخميعة" وهو طبق حلويات يعد من الخبز المفتت والحليب والسكر، يشبه رقائق الفطور المعروفة اليوم. إلاّ أن بعض الأكلات بقيت حاضرة في مناطق محددة، كالمكمورة(طبقات من العجين مع الدجاج والبصل وزيت الزيتون)المعروفة في شمال الأردن، و"المجللة"(خبز مع عويس ومقطع ولبن ولحم مع البصل بالسمن البلدي) في جنوب الأردن. جزء من التراث وكرم الضيافة ويقول الباحث مبيضين إن "المنسف وجبة ذات معايير خاصة وطقوس خاصة، وأيضا لأشخاص تربطهم علاقات خاصة بمعنى أنها تُقدَّم وفق بروتوكول معين للضيافة وطريقة التقديم والترتيب". وأشار إلى "التعامل مع الضيف يكون وفق الدرجة، لجهة طريقة الاستقبال وطريقة الوداع وطريقة تقديم الأكل، فمثلا يقدم رأس الذبيحة على أكبر سدر لكبير القوم، وأحيانا الرأس والذبيحة كاملة ليشعر الضيف أنه نال من الإكرام أبلغه وأجزله". وتقليديا يشترك ما بين 12 إلى 14 شخصاً في الأكل من سدر المنسف الكبير، مستخدمين أيديهم اليمنى بينما اليسرى تبقى خلف ظهورهم، لكن الوجبات باتت تُقدّم بشكل فردي غالباً. وتقول الطالبة زينة عليان (14 سنة) التي تناولت المنسف مع زميلاتها ومعلماتها، إن "المنسف جزء من التراث القديم للأردن". وتضيف أن " المنسف وجبة مميزة بفوائدها (...) تحتوي اللحم والخبز واللبن والأرزّ، وهي مكوّنات صحية ليست كالوجبات الجاهزة أو السريعة التي تحتوي الكثير من الزيوت غير الصحية". اما معلمتها ضحى صالح (31 عاما) فقالت "جئنا إلى هذا المطعم لنعرف طلابنا على الثقافة الاجتماعية الأردنية وطبيعة الطعام الأردني الشعبي الأصيل الذي يرمز لأصالة البلد وكرم الضيافة". ولاحظت أن "المنسف هو طبق شامل فيه كل الفوائد الغذائية، وتناوله ممتع (...)ويجعلنا مرتبطين بواقعنا وأصالتنا وتراثنا".

مشاركة :