مع تأثير الروبوتات الصناعية على أسواق العمل الأميركية في العقدين الماضيين، والوجود المتزايد باستمرار للتكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل «تشات جي بي تي»، يخشى العديد من الموظفين من أن تحتل الروبوتات مكانهم في الوظائف يوماً ما، ولكن دراسة أميركية حديثة تقول إن «الصورة ليست قاتمة لهذه الدرجة». ووفقاً للدراسة المنشورة مؤخراً بدورية «آي إل آر ريفيو»، التي قادها يونغ سوك لي، الأستاذ المساعد في كلية كيو للشؤون العالمية بجامعة نوتردام، وشريكه جون تشونغ من جامعة أوبورن، فقد وجد الباحثون أن الروبوتات الصناعية، خصوصاً تلك المستخدمة في صناعة السيارات «تكمل عمل البشر بدلاً من استبدالهم، بل إن بعضها يعمل بشكل تعاوني». وليس هذا فقط، ولكن «من المحتمل أن تزيد الرقمنة والأتمتة المتقدمة لتلك الصناعة من الإنتاجية، إلى جانب خلق مهام جديدة تتطلب توظيف المزيد من البشر، وفي بعض الحالات، قد تسهم تقنية الروبوت في سد الثغرات التي تُركت شاغرة عندما استقال الموظفون أو انتقلوا إلى مناصب أخرى». ودرس مؤلفو الدراسة تأثير الروبوتات على سوق العمل في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و2016، وقاموا بتحليل البيانات على فترات مدتها 5 سنوات، وفي السنوات الخمس الأولى، كان للروبوتات «تأثير سلبي» على عدد الموظفين، وعلى أجورهم المحلية، لكن «هذا التأثير أصبح إيجابياً في السنوات الأخيرة، بدءاً من عام 2010 تقريباً». وبمقارنة البيانات من مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الدولي للروبوتات، تمكن الباحثون من تتبع هذا الانعكاس وتحديد مصدره، وخلصوا إلى أن «الإنتاجية قد تزداد بسبب 3 عوامل، وهي أتمتة المهام، وخفض تكاليف الإنتاج، وتحسينات تكنولوجيا الروبوت التي تؤدي المهام نفسها، وإنشاء مهام جديدة مدفوعة بتقنيات وقدرات الأتمتة». وقال الباحثون إن «مكاسب الإنتاجية من أتمتة المهام تحدث عندما تكون الروبوتات قادرة على أداء مهام معينة بشكل أفضل أو أسرع من البشر؛ ما يؤدي إلى توفير في التكلفة، ويمكن للنماذج الأحدث من الروبوتات التي تعمل بشكل أسرع وأكثر دقة من النماذج القديمة أن تزيد الإنتاجية أيضاً، دون إزاحة العمال، حيث تحتاج العديد من مهام الأتمتة الجديدة للبشر لتشغيلها وإدارتها، خصوصاً عندما تصبح أكثر تعقيداً، مما يزيد من الطلب على العمال». وقال يونغ سوك لي، الأستاذ المساعد في كلية كيو للشؤون العالمية بجامعة نوتردام، في تقرير نشره، أمس (الثلاثاء)، الموقع الإلكتروني للجامعة، إن «هناك تحولاً مؤخراً في كيفية استخدام الروبوتات وماذا تفعل؛ فعندما تم تقديم الروبوتات في البداية، كان الهدف خفض التكاليف واستبدال البشر، ولكن الآن تستخدم الشركات الروبوتات التعاونية المصممة للعمل مع البشر». وأوضح لي أنه «في صناعة السيارات، على سبيل المثال، تم وضع الروبوتات الصناعية في خط إنتاج، وكان لا بد من فصل العمال البشريين عن الآلات بسبب خطر الاقتراب من الأجزاء الكبيرة والمتحركة، لكن الاتجاه الصناعي الآن هو إنشاء روبوت أصغر يكون أكثر رشاقة ونعومة، بحيث إذا اصطدم بشريكه البشري التعاوني سيتوقف؛ فهو يتفاعل أكثر، مما يجعله أكثر أماناً، وتشير هذه البيئة التعاونية الجديدة إلى أن هدف الروبوتات ليس بالضرورة استبدال البشر، ولكن في الواقع زيادتهم». وفيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتقنيات «تشات جي بي تي» سريعة التطور، يقول لي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يجب أن نتعلم تسخير هذه القدرات الثورية للذكاء الاصطناعي، بدلاً من الخوف منها، حيث يمكن أن تخلق فرصاً جديدة لم نرها أو نفكر فيها بعد، ومن ثم قد تكون هناك مطالب لوظائف جديدة تماماً وموظفين جدد». وأضاف أن «البشر هم من يصنعون هذه التقنيات الجديدة، والتكنولوجيا ستصبح عاملاً أكبر في رفاهية العمال البشريين بالمستقبل».
مشاركة :