يعد سوق العقارات واحدًا من أكثر الأسواق ديناميكية وسرعة في العالم. فهذا السوق يشهد باستمرار تقلبا في الأسعار والطلب، فضلا عن انه من أكثر الأسواق أمنا ونموا. أمام ذلك، لم يكن من المستغرب أن يكون هذا السوق بالذات هدفًا رئيسيًا لاستخدام العملات المشفرة. ومع انتشار استخدام العملات الرقمية المشفرة في مختلف القطاعات والصناعات، كان القطاع العقاري أحد تلك القطاعات المستهدفة من هذه العملات الجديدة والمتجددة. وباتت العملات الرقمية تكتسب زخمًا بين المستثمرين العقاريين -وإن كان يشوبه بعض البطء والحذر- كطريقة أكثر موثوقية وأمانًا وفعالية لإجراء الاستثمارات والمعاملات. بل وباتت العديد من كبريات الشركات العقارية في البحرين تقبل المدفوعات بالعملات الرقمية. وكما يؤكد المتعاملون بهذه العملات والقائمون عليها، باتت العملات الرقمية قادرة على تجاوز العديد من المخاطر المرتبطة بطرق الدفع التقليدية مع توفير قدر أكبر من المرونة في إتمام الصفقات وإجراء المدفوعات. واقع ملموس «العقاري» كانت له وقفة مع الرئيس التنفيذي لعملة «زمزم» حامد فخرو، وهي أول عملة تبرم اتفاقا مع شركة عقارية لقبول المدفوعات عن طريق العملات الرقمية. فما الذي تضيفه العملات الرقمية للتعاملات العقارية؟ وما مميزات استخدام هذه العملات في القطاع العقاري؟ وقبل ذلك، هو توافر الحماية القانونية الكافية لمثل هذه التعاملات. يمهد فخرو لحديثه بالإشارة إلى أن سوق العملات الرقمية لم يعد مقتصرا على قطاع معين او تداولات محددة كالتداول العقاري فقط، فقد دخلت العملات الرقمية بالعديد من المجالات كالصناعة والتجارة والسياحة وقطاع التجزئة. وفي مملكة البحرين من خلال منصة Binance Pay بات بالإمكان حتى شراء المواد الغذائية والإلكترونيات وتم قبولها من قبل سلسلة مطاعم للوجبات السريعة، بكل سرعة وشفافية. وبالتالي باتت العملات الرقمية تشكل واقعا ملموسا في العديد من المجتمعات، بل نجد في بعض الدول الأوروبية مكائن تبديل العملات الرقمية في الشوارع، وهي تشبه مكائن سحب الأموال من البنوك. ووجود مثل هذه المنظومة في منطقتنا مسألة وقت فقط. التداولات العقارية * ماذا عن التداولات العقارية بالعملات الرقمية؟ ** من المتوقع أن تشهد البحرين زيادة تدريجيا في التعامل العقاري مع العملات الرقمية، ونتوقع أن تصل قيمة العقارات المتبادلة عن طريق العملات الرقمية في البحرين لحوالي 5 ملايين دينار، وهذه الارقام سوف ترتفع بشكل كبير خلال الاعوام القليلة القادمة. وهناك مبادرات تدعم هذا التوجه، فمثلا تم التوقيع مع شركة أوركيد (orchid) للتطوير العقاري والإنشاء، اتفاقية شراكة تقبل بموجبها الشركة العقارية المدفوعات باستخدام العملات الرقمية. لتكون الشركة بذلك ثاني شركة عقارية كبرى تقبل المدفوعات من قبل عملة زمزم. وتنص الاتفاقية على حصول شركة أوركيد لخدمة (كريبتو كونسيرج) المقدمة من زمزم، وهي خدمة جديدة مقدمة للأفراد والشركات في المجال العقاري ممن يتجهون لدخول عالم العملات الرقمية. فمن خلال خبرتنا نجد أن أكبر مخاوف الشركات اليوم هو الثقة بمزود الخدمة، وضمان وصول المبالغ المحولة في الوقت نفسه ونفس القيمة. وهنا ما يمكن لبرنامج (كريبتو كونسيرج) توفيره، حيث يوفر البرنامج حماية كاملة للمحافظ وضمان وصول المبالغ بسرعة وبحسب المدفوع من عملات وقت الدفع بشفافية مطلقة. وهنا من الأهمية بمكان ان نشير الى ان العملات الورقية (fiat) لم تعد اليوم تتمتع بالأمان. لذلك نرى أن هناك عملات ورقية كبيرة قد فقدت الكثير من قيمتها خلال الشهور الماضية، كالجنيه الاسترليني واليورو والين الياباني. وبالتالي لا بد للمستثمرين النظر إلى العملات الرقمية كخيار آخر يمكن التعويل عليه، مع ضرورة تنويع الاستثمار في الأصول الرقمية، وهذا في الواقع هو توجه مملكة البحرين في الفترة القادمة. تنقذ نفسها بنفسها * إلى أي مدى يمكن للأسواق العقارية ان تعتمد على العملات الرقمية؟ ** «تخطى سوق العملات الرقمية في فترة من فتراته حاجز الـ2.5 تريليون دولار. وهذا ما يؤكد أنه سوق واعد لمختلف القطاعات بما فيها العقاري، حيث ان استخدام العملات الرقمية في المعاملات العقارية يسهم في جذب المستثمرين الدوليين الى القطاع العقاري البحريني». وفي الواقع نحن في سباق دولي مع العديد من الشركات والدول للريادة في مجال العملات الرقمية وتوفير الخدمات التي تتميز بها. فمثلا بات تحويل الأموال في العالم صعبا ومتعبا في بعض الحالات، سواء في عدم قبول بعض العملات أو التداول بها، أو تذبذب سعر الصرف لكل عملة في أي دولة، في حين أن العملات الرقمية أو ما تسمى بالأصول الرقمية عملت على حل جميع هذه المشاكل، وقد أثبتت العملات الرقمية في الشهر الماضي قوتها ومحت جميع الشكوك حولها بعد ارتفاع اسعارها إثر انهيار بعض البنوك. وهذا ما يؤكد قدرتها على ان تكون وسيلة تعامل موثوقة وقوية في القطاع العقاري. * ولكن ألم يكن هناك ما يمكن وصفه بالفشل لبعض العملات الرقمية؟ ** بالفعل، فشلت بعض المشاريع الخاصة بالكريبتو والبلوكتشين، لكن السوق رجع بقوة، فعملة البتكوين باتت تقود المعاملات الرقمية، على عكس بعض البنوك التي انهارت خلال الفترة السابقة، ولا يوجد فرق بالنسبة لي بين wall street وstock exchange والـ(ETF - Future trading, penny stock, hedding) بين العملات الرقمية. وفي حين ان البنوك خلال الـ40 سنة الماضية تم انقاذها من ازماتها من قبل الحكومات، فإن العملات الرقمية تنقذ نفسها بنفسها في ظل محاربة الجميع لها، وهذا ما يطرح سؤالا مهما: ما هو النموذج الذي يعبر عن نظام اقوى للاقتصادات في المستقبل؟ * ألا تعتقد ان الإشكالية الأساسية مازالت قائمة وهي توفر التشريعات الكافية لسوق العملات الرقمية؟ وبالتالي قد يبقى هذا تحديا أمام الاعتماد عليها في القطاع العقاري تحديدا؟ ** المشهد التنظيمي المحيط بالعملات المشفرة والعقارات بشكل عام معقد ودائم التطور. وبعض الدول الغربية أصدرت تنظيمات بشأن عمليات التداول وكيفية حماية المستثمرين بطريقة استخدام العملات الرقمية في المعاملات العقارية، في حين لا نجد حتى الآن في الدول العربية او الإقليمية أي قانون أو تشريع يحكم العملية ويضع ضوابط وقوانين لحماية جميع الأطراف. ولكن يمكن القول إنه من المتوقع أن نشهد في الشهور القادمة اعادة النظر من قبل مسؤولي بعض الدول العربية في صياغة شراء العقارات عن طريق العملات الرقمية. البلوكتشين * ماذا عن استخدام تقنية البلوكتشين في المعاملات العقارية؟ ** من أهم ما يميز شراء العقارات عن طريق العملات الرقمية هو السرعة في تنفيذ المعاملة عن طريق تقنية البلوكتشين، فعبر هذه الطريقة يستطيع الشخص شراء أي وحدة بثواني فقط. ناهيك عن أن هذه الطريقة تعتبر أكثر الطرق أمانا ومصداقية من الطرق التقليدية، إذ إنه لا يمكن بأي طريقة من الطرق تغيير المعاملة او الاحتيال بها وخصوصا في المعاملات ذات المبالغ الكبيرة. وعن طريق استخدام تقنية البلوكتشين، من الممكن إجراء المعاملات المالية بين المشترين والبائعين بأمان من دون الحاجة إلى مؤسسات مالية وسيطة. وهذا الأمر سوف يساعد على خفض تكاليف المعاملات بشكل كبير عن طريق الاستغناء عن الوسطاء كالبنوك أو شركات التمويل أو حتى السماسرة. أضف إلى ذلك أن استخدام تقنية البلوكتشين في القطاع العقاري يتميز بانه لا يمكن تغيير المعلومات والأرقام أو إخفائها، فجميع المعاملات تكون بشكل شفاف وواضح، وتستطيع تتبع كل دينار يتم صرفه وأي جهة تسلمته. وهذا جانب يفيد الحكومات والعملاء بشكل كبير. وكل ما عليك عمله هو التحقق من الاشخاص الذين يرسلون ويتسلمون المبالغ، وهذا يتم بتطبيق قوانين الــAML (Anti money laundering) والـ KYC ( know your client) الذي تتبعها جميع البنوك والشركات المالية. علما بأننا وحاليا نعمل مع شركة مالية رائدة على تقنية متقدمة وهي تقنية «العقد الذكي لتداول العقار»، ونأمل ان تكون البحرين من الدول السباقة في هذا المجال، حيث تساعد هذه التقنية على انهاء أي معاملة بين البائع والمشتري لأي عقار من دون ان يلتقوا ببعضهم البعض، ومن دون وجود وسيط، أو اي اجراء آخر، وبنفس الوقت تكون كل معلوماتهم مسجلة وموثقة في التطبيق الذكي، وتثبت التفاصيل في العقد الذكي (smart contract) بعد الاتفاق عليها، وبضغطة زر يتحول المبلغ وتتحول الملكية في نفس الوقت، وتكون الملكية بشكل NFT (non fungible token). * ماذا عن استخدام هذه العملات في القطاع العقاري على المستوى الدولي؟ ** أكبر عملية بيع عقارية بالعملات الرقمية حصلت في العام الماضي كانت بيع شقة في مدينة ميامي الأمريكية بقيمة 7.2 ملايين دولار في مبنى صممته المهندسة الراحلة زها حديد. وإجمالا، بدأت العديد من الدول فعليا في التداول العقاري عن طريق العملات الرقمية، أهمها تايلاند والبرتغال والإمارات وتركيا ومونتنيغرو وجورجيا، بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية. * باختصار.. ماذا تتوقع لمستقبل العملات الرقمية في القطاع العقاري؟ ** يمكنني التأكيد على أن العملات الرقمية ستكون الخيار المفضل مع السوق الصاعد القادم. فنحن نعيش اليوم في ظل ما يسمى السوق الهابط وهو تراجع أسعار العملات الرقمية بشكل كبير بسبب عدة أسباب أهمها التضخم ورفع الفدرالي الأمريكي لسعر الفائدة. ولكن في الدورة الاقتصادية الاعتيادية سوف تعاود هذه الأسعار الصعود. ومع انتعاش الأسواق (السوق الصاعد) سوف تكون العملات الرقمية عملات أساسية لتداول العقارات في تلك الفترة.
مشاركة :