من المرجح أن يتعطل إقرار الموازنة العراقية إلى حين حسم خلافات حادة بين الأحزاب السنّية والشيعية، بشأن تنفيذ الاتفاق السياسي، الذي أفضى إلى تشكيل حكومة محمد شياع السوداني. وتضمّن الاتفاق، الذي جمع «الإطار التنسيقي» بأحزاب سنّية وشيعية، تسوية شاملة لملفات خلافية؛ مثل الموازنة، وتعديل قوانين أبرزها العفو العام، والمساءلة، والعدالة، إلى جانب التوازن في المؤسسات الحكومية، ويعني هذا، في حال التراجع عن الاتفاق السياسي، انهيار الصفقة التي قادت إلى تشكيل الحكومة، وتضمنت بنوداً؛ من بينها الموازنة الاتحادية، كما يقول نواب من قوى سنّية. وكان من الواضح، في الأسابيع الأولى من عمر الحكومة، أن أي اتفاق سياسي، بغياب زعيم «التيار الصدري»، سيجبر المتحالفين مع «الإطار التنسيقي» على رفع سقف المطالب؛ بسبب صعوبات في بناء الثقة على المدى الطويل. ووفقاً لقيادات سياسية، فإن الموازنة، التي يحاول البرلمان تشريعها، هذه الأيام، مهددة بانهيار الاتفاق، ولا سيما بعد تحرك قادة الإطار التنسيقي لمراجعته، وخفض سقف المطالب المتفق عليها مع حزب «تقدم»، الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ومع محاولات البرلمان تشريع قانون الموازنة فإن الأحزاب السنّية تلقت مؤشرات من الإطار التنسيقي بأنه «انقلب» بالفعل على الاتفاق السياسي، وتعززت تلك المؤشرات، بعد حملة قادها كل من زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، وزعيم منظمة «بدر» هادي العامري؛ لمراجعة الاتفاق مع القوى السنّية، قبل تشكيل الحكومة، وفقاً لمصادر موثوقة. ووفق المعلومات، فإن «المالكي والعامري يعتقدان أن الاتفاق السياسي قدّم تنازلات كبيرة للقوى السنية»، وأن «الوقت حان لخفض السقف، قبل إقرار الموازنة». بيد أن رغبة الأحزاب الشيعية في تعديل بنود الاتفاق الحكومي لا تحظى بإجماع «الإطار التنسيقي»؛ إذ تخشى أطراف فيه من «اختلال في التوازن» الذي تحتاج إليه حكومة السوداني للبقاء فترة أطول. وانسحب هذا على الموقف الإيراني، إذ تقول مصادر خاصة إن زعيم حركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، تلقّى رسالة من طهران تضمنت تحذيراً من أن «ضرب الشراكات المطلوبة، في توقيت حساس في المنطقة، يتطلب الكثير من التهدئة». وتربط مصادر مختلفة هذه الأجواء بقرار رئيس البرلمان محمد الحلبوسي منح إجازة لنفسه، في الوقت الذي يواصل فيه البرلمان العمل على تشريع الموازنة، ويبدو أنها مناورة للضغط على «الإطار التنسيقي». وقال قيادي في الحزب، الذي ينشط في المدن المحرَّرة من تنظيم «داعش»، إن المشاركة في حكومة السوداني جاءت بعد «التزام سياسي واضح من الإطار التنسيقي، بحسم حصص تلك المدن في الموازنة، وتعديل قوانين العفو العام والمساءلة». ويخشى حزب «تقدم» من تعطل مشروعات استراتيجية لإعمار المدن المحررة، نتيجة التلاعب بحصتها في الموازنة المالية، والتي جرى الاتفاق عليها مع «الإطار التنسيقي»، بوصفه شرطاً للمشاركة في حكومة السوداني. وقال نواب، من حزب «تقدم»، إن المناخ السياسي المرتبط بالموازنة الاتحادية ضرب الثقة بـ«الإطار التنسيقي» بصفته شريكاً ملتزماً، حتى على المدى القصير، وأن التراجع عن صيغة الاتفاق سيفتح الباب لـ«سيناريوهات خطيرة»، على حد تعبير نائب سني. كما أكد نواب، من الإطار التنسيقي، لـ«الشرق الأوسط»، أن الخلافات المتعلقة بالموازنة لن تنسحب على الاتفاق السياسي، وستبقى في إطار «فني» يمكن معالجته، فيما بدوا واثقين من إقرارها قريباً، رغم الخلافات السياسية.
مشاركة :