عمّق خبر بيع الهيئة العامة للاستثمار الكويتية حصة توازي ربع ملكيتها في مجموعة «مرسيدس بنز»، بقيمة 1.5 مليار دولار، من أزمة الشفافية التي يعانيها صندوق احتياطي الأجيال الكويتي (الصندوق السيادي) الذي تديره الهيئة. فعلى الرغم من نشر موقع بلومبرغ تفاصيل الصفقة من حيث بيع الكويت نحو 20 مليون سهم في مجموعة مرسيدس بنز بسعر 69.27 يورو للسهم الواحد، على أن يتبقى لها بعد الصفقة 53 مليون سهم، مما يخفّض نسبة حصتها في «مرسيدس» من 6.8 بالمئة إلى دون الـ 5 بالمئة؛ فإن الهيئة العامة للاستثمار لم تفصح رسمياً عن هذه البيانات التي ظلت في إطار التكهنات لا المعلومات الرسمية، مخالفةً سياستها الخاصة بالإفصاح المحدود أو المقتضب عن البيانات المالية للتخارجات ذات القيمة الضخمة على مدى سنوات سابقة، كإعلانها رسمياً عام 2009 بيع حصتها في مجموعة سيتي غروب الأميركية، ببيع أسهمها، محققة ربحاً صافياً قدره 1.1 مليار دولار، معللة الصفقة بوجود فرصة مجدية للتخارج، وسط تنامي مخاطر الأزمة المالية العالمية، أو إفصاحها عن خسارة 390 مليون يورو - بعد خصم التوزيعات السنوية - من استثمارها في شركة أريفا النووية الفرنسية، كما عللت الصفقة بتدهور أوضاع الصناعة النووية في العالم، إثر تداعيات كارثة تسونامي اليابان، وحادثة المفاعل النووي في فوكوشيما. أي تقييم لا يشدد على تنمية شفافية الصندوق السيادي وفقاً لاتفاقية سانتياغو سيكون قاصراً حتى وإن تضاعفت قيمة استثماراتنا تكهّنات وأسئلة وبقدر ما سلّط عدم إفصاح الهيئة عن الصفقة وأسبابها الضوء على ضعف شفافية صندوق سيادي لا تليق بأنه الأول من نوعه في العالم، فإنه فتح أيضاً مجالاً واسعاً للتكهنات والأسئلة حول صفقة تتعلق بأصل هو الأشهر من ضمن أصول صندوق الكويت السيادي، ومدى تأثيره على استراتيجيات الصندوق الاستثمارية، إن كان الأمر مرتبطاً بإغراء الارتفاع الكبير في سعر سهم شركة مرسيدس خلال السنوات الثلاث الأخيرة بأكثر من 300 بالمئة، وهل سيمتد إغراء السعر إلى الحصة المتبقية للكويت في شركة السيارات الألمانية المعروفة، أم سيتم الاكتفاء بالصفقة الحالية؟، وهل يأتي التخارج من «مرسيدس» بغرض اقتناص فرصة استثمارية مجدية، أم بغرض تمويل سيولة الاحتياطي العام التي واجهت نفاداً نادراً، حتى قبل تنامي تداعيات فيروس كورونا على أسعار النفط العالمية وتبعاتها المحلية؟ أم أن الهيئة العامة للاستثمار تنوي إعادة هيكلة محفظة استثمارات الصندوق السيادي، ليتناغم مع سياسات استثمارية للصناديق السيادية الخليجية الأخرى في عدد من القطاعات الجديدة حول العالم؛ كالسيارات الكهربائية والأندية الرياضية والمتاجر العالمية والتكنولوجيا، وغيرها، فضلاً عن وجود خلافات قديمة بين الهيئة والسلطات المالية الألمانية بشأن ضريبة الأرباح وما ترتّب عليها من تأخير لاستحقاقات مالية للكويت، ربما تكون واحدة من أسباب بيع جزء من حصة الكويت في «مرسيدس». هيئة الاستثمار لم تفصح عن صفقة مرسيدس ولا قيمتها ولا أرباحها ولا أسبابها اتفاقية سانتياغو ولعل هذه ليست المرة الأولى التي تكون استثمارات صندوق احتياطي الأجيال عرضةً للتكهنات والأسئلة التي لا تجد إجابة، خصوصاً في ظل ما نستحضره في الكويت من ذكريات أليمة للصندوق السيادي في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، وما حدث من تجاوزات وعمولات تتعلق بصفقات شركتَي سنتافي وتوراس وغيرهما - وهذا ليس تشكيكاً في ذمم القائمين على الصندوق السيادي، بل دعوة إلى عمل مؤسسي أكثر وشفافية أوضح، خصوصاً أن الصندوق الذي كان ممولاً رئيسياً لعمليات تحرير الكويت خلال الغزو العراقي وقريباً ما حدث من «خلافات» تبعتها استقالات في مكتب لندن الذي يدير نحو ثلث قيمة استثمارات الكويت السيادية، وهي المقدّرة - تكهناً وليس بشكل رسمي - عند 770 مليار دولار، وبالتالي، فإنّ أي تقييم لا يشدد على تنمية شفافية الصندوق السيادي (احتياطي الأجيال القادمة)، وفقاً لقواعد اتفاقية سانتياغو لصناديق الثروة السيادية، التي تحضّ على الإفصاح العلني وشفافية البيانات ومهنية إعدادها، سيكون قاصراً حتى وإن تضاعفت قيمة استثماراتنا السيادية، وهي ليست كذلك، مقارنة بمعدلات نمو عدد من الصناديق السيادية الخليجية. لعرض البيانات المالية للصندوق السيادي مزايا عديدة أقلها إعطاء فرصة لتقييم الأداء الاستثماري من أطراف حيادية ومستقلة مزايا الشفافية وفي الحقيقة، فإنّ لعرض البيانات المالية لصندوق الكويت السيادي مزايا عديدة، أقلها إعطاء فرصة لتقييم الأداء الاستثماري من أطراف حيادية ومستقلة، يعطي جودة في الأداء، خصوصاً في ظل ما يتعرّض له العالم حالياً من مخاوف حيال أزمة مصرفية قد تكون لها تبعاتها السلبية على الاقتصاد العالمي، أو لبيان آثار تدهور الاقتصادات العربية وعملاتها الوطنية في لبنان ومصر وتونس وسورية على الاستثمارات السيادية للكويت في هذه الدول، إلى جانب أن ضعف الشفافية في الصناديق السيادية يمكن أن يدعم تحرّكات الحزب الحاكم في الولايات المتحدة، إلى جانب عدد من حكومات الاتحاد الأوروبي، لتقييد عمل صناديق أي دولة لا تلتزم بالمعايير الخاصة بشفافية استثماراتها السيادية التي تدير مئات المليارات من الدولارات، أو تبيّن لنا - على الأقل - قيمة الاستثمارات السيادية الكويتية مقارنة بصناديق أخرى لا يصل عمرها إلى نصف عمر الصندوق السيادي الكويتي، إذ من الممكن أن تكشف الشفافية جانباً من مقارنة الأداء بين الصناديق، عبر نسبة النمو والقطاعات الرابحة والخاسرة، لفهم مدى كفاءة إدارة هذه الاستثمارات بشكل موضوعي.
مشاركة :