دعونا نتفق في البداية على أن بايرن ميونيخ ليس معصوما بأي حال من الأحوال من الأخطاء، لكن نادراً ما يرتكب هذا النادي العملاق نفس الخطأ مرتين. لقد نجح بايرن ميونيخ في استعادة سيطرته وهيمنته على كرة القدم الألمانية بعد الفترة التي سحب فيها بوروسيا دورتموند البساط من تحت أقدامه خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2012، كما دعم العملاق البافاري صفوفه بعدد من أفضل اللاعبين من الأندية المنافسة. ويبدو أن الولاية الفاشلة للمدير الفني الإيطالي كارلو أنشيلوتي في عام 2016 كانت بمثابة تحذير لإدارة النادي من فكرة التعاقد مع مدير فني أجنبي من أصحاب الأسماء الكبيرة في عالم التدريب. وقد تعود أصول سلسلة الأحداث التي أعادت تشكيل المشهد بالكامل في كرة القدم الألمانية على مدى الأسبوعين الماضيين إلى محاولة بايرن ميونيخ الفاشلة للتعاقد مع المدير الفني الشاب والواعد توماس توخيل في فترة من الفترات. كان توخيل على رادار بايرن ميونيخ في عام 2014، عندما كان يتولى قيادة ماينز الألماني ورشحه المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا لخلافته. وعُقدت اجتماعات ودية مع المدير الرياضي للنادي، مايكل ريشكي، ورئيس النادي أولي هونيس. لكن في عام 2018، عندما أعلن المدير الفني المخضرم يوب هاينكس اعتزاله التدريب، بدأ مسؤولو بايرن ميونيخ التحرك بقوة للتعاقد مع توخيل. وأعلن هاينكس على الملأ أنه اختار توخيل ليكون خليفة له على رأس القيادة الفنية للعملاق البافاري، وتم الترتيب بالفعل لعقد محادثات بين الطرفين، لكن مجلس إدارة بايرن ميونيخ تحرك بعد فوات الأوان، حيث كان توخيل قد اتخذ قراره بالسفر إلى الخارج، وسرعان ما تم الإعلان عن توليه قيادة باريس سان جيرمان. وحتى لو كان جوليان ناغيلسمان شعر بالقلق من احتمال عودة توخيل إلى سوق العمل في ألمانيا، فقد قام بعمل جيد في إخفاء ذلك الشعور! فعندما كان لاعبو بايرن ميونيخ في طريقهم إلى منتخبات بلادهم للمشاركة في المباريات الدولية خلال فترة التوقف الدولي الأخيرة بعد خسارة بايرن ميونيخ أمام باير ليفركوزن بهدفين مقابل هدف وحيد في مسابقة الدوري (البوندسليغا)، قال ناغيلسمان للاعبي فريقه فيما اتضح بعد ذلك أنه آخر اجتماع معهم: «جميع اللاعبين يعودون بحالة حيدة من فترة التوقف الدولي، وسوف نسحق بوروسيا دورتموند بعد ذلك». وبعد ذلك، ذهب ناغيلسمان للتزلج في جبال الألب النمساوية مع صديقته، ليكتشف في وقت متأخر من الليل عبر وسائل الإعلام أن وظيفته قد ذهبت إلى توخيل! لقد بدا الأمر منطقياً للغاية، على الرغم من شعور ناغيلسمان بالصدمة. وفي أول مباراة لتوخيل، فاز بايرن ميونيخ على بوروسيا دورتموند على ملعب «أليانز أرينا» في ميونيخ يوم السبت - كما فعل في آخر ثمانية لقاءات على أرضه - بأربعة أهداف مقابل هدفين، ليعود العملاق البافاري لصدارة جدول ترتيب الدوري الألماني الممتاز، المرشح بقوة للفوز بلقبه للمرة الحادية عشرة على التوالي. لكن حدث شيء مغاير يوم الثلاثاء الماضي لم يكن متوقعا، عندما فجر فرايبورغ وصيف بطل الموسم الماضي مفاجأة من العيار الثقيل وأطاح ببايرن ميونيخ حامل الرقم القياسي في عدد الألقاب في مسابقة كأس ألمانيا (20 لقبا) من الدور ربع النهائي عندما تغلب عليه 2-1 على ملعب أليانز أرينا، والذي يواجهه مرة أخرى في عطلة نهاية الأسبوع في البوندسليغا قبل مواجهة صعبة أمام مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا. وخلال الموسم الحالي، حقق بايرن ميونيخ الفوز في جميع المباريات الثماني التي لعبها في دوري أبطال أوروبا. لكن هذه النتائج الجيدة لا تضمن بقاء أي مدير فني في منصبه في بايرن ميونيخ، فهذا النادي عودنا على تعيين وإقالة المديرين الفنيين بناء على إحساس غامض وغير واضح بأن الفريق بحاجة إلى تصحيح مساره. وخلافا للانتقادات التي صرح بها المدير الرياضي الحالي، حسن صالح حميديتش بعد الهزيمة أمام ليفركوزن، شعر حميديتش بأنه مضطر للدفاع عن توخيل بعد الخسارة الأولى للفريق تحت قيادته أمام ضيفه فرايبورغ على أرضه. وقال حميديتش: «هذا أمر مؤسف بالنسبة لنا، ولكنه ليس له علاقة بالمدرب. إنه يقدم انطباعا جيدا للغاية ويقوم بعمل جيد للغاية. كانت خسارة مؤلمة لنا كلنا، ولكننا سنكون أفضل يوم السبت». لا يوجد أدنى شك في أن هناك شيئا ما قد تراجع قليلا في بايرن ميونيخ هذا الموسم، حتى لو كان من الصعب تحديد ما هو هذا الشيء بالضبط. لقد كانت هناك إشارات قليلة على وجود شعور بالاستياء داخل غرفة خلع الملابس، وعبر العديد من لاعبي بايرن ميونيخ خلال فترة التوقف الدولية عن دهشتهم من قرار إقالة ناغيلسمان. من المؤكد أن نتائج الفريق منذ كأس العالم كانت دون المستوى، وهو الأمر الذي سمح لبوروسيا دورتموند باعتلاء صدارة جدول ترتيب الدوري لأول مرة منذ ما يقرب من أربع سنوات، بعدما كان بايرن ميونيخ يتصدر جدول الترتيب بفارق 11 نقطة كاملة، كما أصبح الفريق عرضة لاستقبال أهداف سهلة. في الواقع، يبدو أن توقيت إقالة ناغيلسمان يرتبط بشكل جوهري بإمكانية التعاقد مع توخيل في الوقت الحالي لأنه ليس مرتبطا بأي ناد، والخوف من عدم القدرة على التعاقد معه مرة أخرى في ظل اهتمام ناديي توتنهام وريال مدريد بالتعاقد معه. لكن حدوث ذلك قبل أيام قليلة من المواجهة الحاسمة على لقب الدوري ضد بوروسيا دورتموند ومباراة الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا ضد مانشستر سيتي، يثير بعض الأسئلة الملحة: هل هذا النادي العملاق الذي يضع خططا طويلة المدى شعر القلق واتخذ قرارا مفاجئا؟ وهل النادي الذي يمتلك رؤية لسنوات قادمة فيما يتعلق بالمدير الفني غير رؤيته وخططه فجأة بهذه الشكل السريع؟ قال توخيل في حفل تقديمه مديرا فنيا لبايرن ميونيخ: «هذا ليس الوقت المناسب لإجراء تغييرات كبيرة في طرق اللعب والخطط التكتيكية»، كما أن خوض الفريق لمباريات صعبة وحاسمة خلال الفترة القليلة المقبلة يعني أن توخيل سيلعب بطريقة برغماتية تماما خلال الأسابيع الأولى في منصبه. وستكون الأولوية قصيرة المدى لتوخيل هي تعزيز خط الدفاع الذي حافظ على نظافة شباكه مرتين فقط في آخر عشر مباريات، وهو ما يعني أن توخيل قد يعود للاعتماد على ثلاثة لاعبين في الخط الخلفي، وهي نفس الطريقة التي كان يلعب بها في تشيلسي. لكن النقطة التي يجب الإشارة إليها هنا، والتي كانت واضحة تماما خلال عمل توخيل في ماينز وبوروسيا دورتموند وباريس سان جيرمان، هي أن توخيل ليس مجرد مدير فني مؤقت لفترة من الوقت، لكنه مدير فني قدير يضع خططا ورؤية واضحة على المدى الطويل. لكن إلى أي مدى تصل جودة هذا الرجل؟ على المستوى الفردي وقدرات اللاعبين، يمكن لبايرن ميونيخ أن ينافس أقوى الأندية في أوروبا، حيث يملك لاعبين مميزين في كل المراكز، بدءا من جواو كانسيلو وماتيس دي ليخت في خط الدفاع، مرورا بجوشوا كيميتش وليون غوريتزكا في خط الوسط، ووصولا إلى كتيبة اللاعبين الرائعين في الثلث الأخير من الملعب. ربما يكون الفريق بحاجة ماسة وسريعة للتعاقد مع حارس مرمى ورأس حربة، لكن هذا ليس فريقاً في حاجة ماسة إلى إعادة بناء. باختصار: إذا كانت هناك فرصة لتوخيل لكي يطبق فلسفته وأفكاره، ويعبر عن رؤيته على المدى البعيد، ويثبت قدرته على البقاء لفترة طويلة، فهذه هي الفرصة المناسبة تماما. وعلى الرغم من أن توخيل تولى القيادة الفنية بشكل سريع ومفاجئ، فإنه قد وجد نفسه في موقف نادر للغاية يقف فيه الوقت إلى جانبه، لأنه حتى لو فشل في الفوز بالدوري الألماني الممتاز أو دوري أبطال أوروبا فلن يحمله أحد مسؤولية ذلك على الأرجح لأنه تولى قيادة الفريق منذ فترة قصيرة. وما لم تحدث كارثة كبرى، فسوف يحصل توخيل على عام على أقل تقدير لبناء الفريق الذي يريده.