يتضاعف الشعور بالبهجة مع كل خطوة تهرول بحماس وشوق قاصدة معرض القاهرة الدولي للكتاب، ابتداء من شارع البحر الأعظم أمام القرية الفرعونية، أو من أي جزء أنت تقطنه في القاهرة حتى البوابة الشرقية للمعرض بمدينة نصر، حيث يصطفّ آلاف الزائرين، وأفواج المُحِبّين للكتاب عليها، إلى جانب البوابتين الأخريين.. هذه هي اللقطة الانطباعية الأولى للزيارة الأولى للمعرض، حيث تمارس مدينة المُعِـزّ معنى اسمها على أهليها، وزائريها، فـ(تقهر) الوقت الذي يحاول أن يلحق بها وبعوالِمِها فلا يقدر.. ـ نعم لا يقدر، فهي وحدها طـَوَافِـين من كل شيء.. طوفانٌ من الناس، وطوفانٌ من التاريخ، وطوفان من الحضارة ومن السيارات ومن الممالك والدول والشخصيات والإبداعات وطوفان من الحوانيت، والأكوام، والطرق، والخطوط وطوفان من التيارات والفنون وهي في كل وجوه الحياة.. طوفان.. ـ وأخشى أن يشطح القلم فيجرّنا إلى الحديث عن مدينة القاهرة نفسها بدلا من معرضها المدهش.. ولئن فعل ذلك فلن تكفيه هذه المساحة لينثر مداده كل مداده عن هذه المدينة العربية الكبرى الجبارة.. بل قد لا تفيها حلقات عديدة. ـ حسنا.. تدخل المعرض من البوابة الشرقية كما ذكرنا فيلاقيك على يمينك المبنى الخاص بالندوات والمحاضرات وورش التدريب الفنية والثقافية والصحفية ومنصات التوقيع وقاعات واستراحات المثقفين واجتماعاتهم، بمختلف المساحات والأقسام، وغيرها. ـ ربما تشعر أنك (جرم صغير) في هذا العالـَم، و(نقطة) في هذا البحر الكبير الذي تركض في مساحاته وخيامه وأروقته المبثوثة على قطعة أرض من مدينة نصر تربو على 80 كلم مربع، فتحدث نفسك أنك كيف يمكن أن تمسك بتلابيب الوقت، أو المكان، أو المناشط، أو المحاضرات أو الالتحاق بأمسية، أو حفل توقيع أديب، أو لقاء تعارف مع أديب آخر..؟ ـ عالـَم كبير وكثير جدا، ما إن تحاول أن تلتقط فيه نـَفـَسا حتى يضيع منك شيء آخر نفيس..! ـ صدقوني هذا ما يشعر به كل من يدلف المعرض من مصريين وعرب وأجانب فضلا عمن يكون وقته محدودا في القاهرة.. ـ والمؤلم أن المعرض مع ذلك كله يوصد أبوابه الثلاثة في تمام الساعة 8 مساء، والجمهور الكثيف جدا في الخارج، العـَطِـشُ للدخول.. يـُشـَكِّـل في هذا الوقت طوفانا آخر أيضا! ـ في المعرض.. تحلو (الصعلكة)، وبخاصة حين تكون وحيدا، لتنتقي بحرية ما شئت من الكتب، دون تأثير خارجي، بل أنصح الأصدقاء أن يكونوا وحيدين فيه، فالارتباط بمعية شخص آخر خلال التنقل بين أجنحته، ودُور النشر.. هو (ارتباط) حقيقي، يسلب منك قسطا كبيرا من المتعة والحرية.. فمعرض كبير بحجم معرض القاهرة هو (عالم تاني خالص)، يستدعي أن تعيشه وحيدا.. والغريب أنك تعود لفندقك، وأنت في غاية السرور مع أن قدميك في غاية الإجهاد والإنهاك! ـ في المعرض تنسى روحك وتكوينك، وتدفن نفسك بين أكوام الكتب المعروضة تـُقـَلـِّبُها، وتبتاع ما تريده منها، والبائعون لا يرفعون عليك سعر الكتاب حتى لو علموا أنك غير مصري من خلال (لهجتك)، ولا أنت (تفاصلهم) فيه، لأن الأسعار معقولة.. إن لم تكن خفيضة.. وتنسى روحك أيضا وأنت ترى (كرنفالا) من المناشط والفعاليات والصور والمشاهد المختلفة والمتنوعة والعديدة.. لكن المعرض يحتاج إلى الكثير من التنظيم والضبط الإداري والفني والخدمات والمرافق. فمثلا لا توجد (دورات مياه)ـ أعزكم الله- بشكل كاف قياسا لحجم المعرض ومساحاته وضخامته، والموجود منها غير صالح صحيا للاستخدام. كما لا توجد فيه خدمة الحاسوب الآلي الذي يقدم لك مكان الكتاب ووجوده في المعرض من عدمه، كما هي موجودة في معرض الرياض مثلا.. وغير ذلك من الملاحظات. ـ أما الجناح السعودي فسنتناول الكتابة عنه في الحلقة القادمة و(الأخيرة) إن شاء الله.
مشاركة :