مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات المهنة هي عبارة عن وثيقة ارشادية مكتوبة تحتوي على عدد من السياسات والمعايير التي تحكم سلوكيات جميع العاملين في المنظمة، وتنظم بيئة العمل ومنظومة الأعمال بما يتماشى والممارسات الاخلاقية والمتطلبات القانونية والضوابط التنظيمية والمعايير الرقابية؛ وتهدف المدونة بما تحتويه موادها وبنودها من مبادئ وقواعد وقيم تعزز من قيم النزاهة ومبادئ الشفافية ونظم المسألة إلى خلق بيئة عمل مناوئه للفساد والمحاباة، وإيجاد أجواء تسودها العدالة والمساواة في الحقوق الوظيفية، مما سيسهم في قيام العاملين بأعمالهم ومسؤوليتهم اليومية وفق آليه تحقق جودة الخدمة بكفاءة عالية ورضا منشود وصولا الى المستوى الذي يلبي التطلعات ويحفظ الموارد؛ وقد ظهرت الحاجة لهذه المدونات في المجتمعات الغربية في السنوات الأخيرة لتجاوز الانتقادات والعثرات التي مرت بها بعض المنشآت نتيجة الفضائح القانونية والأخلاقية والتجاوزات المالية والإدارية بسبب تداخل المصالح الخاصة والتوجهات الشخصية والتصورات الفردية والتفسيرات الذاتية والممارسات المشبوهة في أعمالها، وكذلك سعيها لتحقيق أكبر قدر من الربح ولو كان ذلك على حساب كفاءة المنتج والخدمة المقدمة وعدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية والامتثال للمتطلبات القانونية، بجانب تخاذلها عن القيام بمسؤوليتها تجاه المجتمع الذي يحتضنها. لنضع النقاط على الحروف بداية بالقول إن مما لا شك فيه أن غياب الاخلاق في أي شريعة مدعاة لانتشار الفساد، وان غياب العدالة في أي مجتمع سبب لتفشي الظلم، ولا جدال في تأثير الأخلاق على السلوك الطبيعي للأفراد والتي بالطبع لا ننكر أثرها في السلوك الوظيفي للعاملين لأنه لا يمكن الفصل بينهما، بقدر ما نعزوه ربما الى أختلاف الثقافات ولقيمة الامتثال للقوانين المتفاوت بين المجتمعات. وأخذا ربما بهذا المنحى درجت مؤخرا مؤسساتنا العامة ومنشآتنا الخاصة على التهافت على وضع مدونات سلوك كقواعد تحكم سلوك منسوبيها أثناء أدائهم لأعمالهم في محاكاة بما لدى الدول الغربية من تجارب، ورغبة منها للتحول منظمات ومنشآت ليس فقط نزيهة في ممارساتها، وإنما كذلك مثالية بأخلاق موظفيها من خلال التزامهم بما ورد في تلك المدونات من سياسات لها دور فعال في رفع كفاءة الأداء وجودة الخدمة ونحو ذلك. ولهذا نقول إنه لأهمية حقيقة تذكر في الحاجة لمدونات السلوك الوظيفي، طالما أنها لن تخرج عن دائرة الدعاية الإعلامية والامتثال المصطنع والتنفيذ الوهمي، خصوصا عندما يرتبط وجودها بالوجاهة والرمزية، وتطبيقها بالمزاجية والانتقائية، في ظل الانجراف الفاضح لبعض القيادات المعنية بتنفيذها في المقام الأول، باعتبارهم مثالا يحتذى به لدى المخاطبين بها، نحو عدم مراعاة مستلزمات العدالة ومقتضيات الإنصاف بالميل نحو العلاقات المشبوهة والمحاباة ليست الواضحة بل الفاضحة، وبالتمييز بين الموظفين على أساس عائلي أو مناطقي أو عنصري؛ ومع ذلك لا يمكن إنكار ما "يضيفه" وجود هذه المدونات متى اتسمت بالتطبيق الموضوعي والشفاف. ولكنَّ قبل الختام لنكن منطقيين بقول إنَّه لا وجه للمقارنة بين ما يوجد في هذه المدونات من سياسات ومعايير تقليدية وسياسات مكررة في ظل محكوميتها بالقوانين مبدئيا، وبين ما تحفل به شريعتنا الإسلامية الغراء من قيم أصيلة ومبادئ ساميه، وأن ظهور الحاجة لهذه المدونات لم ينشأ إلا بسبب قلة الوازع الديني نتيجة الابتعاد عن المفاهيم الأخلاقية التي تعكس عظم قيم سماحة شريعتنا وإنسانية عدالة رسالتها، وبالتالي من لم يمنعه الوازع الإيماني، أو تزجره حتى القوانين عن التجاوز سلوكيا، فمن باب أولى لن يكون هناك فضيلة لهذه المدونات أو دور يذكر سوى أنها من قبيل الميثاق لمن لا ميثاق له. DrAlmuraishedS@gmail.com
مشاركة :