مهرجان برلين ينطلق اليوم في دورته الـ66 بمشاركة 400 فيلم

  • 2/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يستطيع الواحد منا سريعًا وصف مهرجان «كان» بأنه يشبه منارة عالية، ومهرجان «فنيسيا» يماثل حفلة ساهرة على الشاطئ، لكن كيف يمكن للمرء اختيار كلمة واحدة لوصف مهرجان بحجم برلين؟. الدورة الـ66 من أكبر المهرجانات وتنطلق في الحادي عشر من هذا الشهر وتستمر حتى الحادي والعشرين منه، وقوامها نحو 400 فيلم يعرضها ليل نهار على مدى أيامه، مستقبلاً ألوف الضيوف والمقيمين من مختلف أنحاء العالم ومشارب العمل السينمائي. إنه حفل كبير يُقام تحت بصمات إدارية عملاقة يتوخى الاحتفاء الكبير بكل ما هو سينما: ثقافة وفن وتاريخ ومخرجين وممثلين ونقاد. أفلام حديثة وأفلام كلاسيكية قديمة. مسابقات وتظاهرات عدّة تساويه أهمية. أقسام كل منها يمكن له أن يتبلور لمهرجان منفصل. بعضها، مثل قسمي «بانوراما» و«الفورام» يُـشاد بميزانية مهرجان كبير في بعض الدول الأخرى. إداريًا هو مهرجان المحترفين الذين - تبعًا للتقليد الألماني - لا يمكن لهم الإقدام على شيء غير متكامل. * حضور أميركي في زمن تتوسع فيه ظاهرة المهرجانات «نحو 4000 حول العالم»، حيث الكثير منها ليس أكثر من مناسبات وتظاهرات، يحرص مهرجان برلين على إحساس المشتركين فيه بأنه مهرجان فعلي وليس فقط «غرافيتي» سينمائي على جدار الزمن. بات من المكرر القول إنه أحد أهم ثلاثة مهرجانات حول العالم. مهرجان كان في الربيع وفينيسيا في الخريف وبرلين في الشتاء. فصول السنة لا تعرف الراحة. كل مهرجان يكشف عن أوراقه مثل نباتات الموسم الخضراء. بعضها يعيش في فصل معين أفضل من بعضها الآخر. وكل مهرجان يكتنز من الأعمال الأولى ما يجعل المعروض في معظم مهرجانات العالم ينتمي إلى ثلاث حالات: إما أفلام كانت عجزت عن الوصول إلى أحد من هذه المهرجانات الثلاثة، وإما أفلام محلية أو إقليمية الصنع لا تستطيع الخروج إلا لمهرجانات صغيرة خارج حدودها، أو أفلام تم جمعها من المهرجانات الكبرى لتشكل النسبة الكبيرة تعرضه المهرجانات الأصغر. مسابقة الدورة الجديدة تضم 23 فيلما، أكثر مما ضمّت مسابقتي «كان» و«فنيسيا»، كل على حدة. وأفلامها انتخبت بعناية من يريد التأكيد على أن حال السينما، فنًا وصناعة، ما زال بخير وبل ربما أفضل من المتوقع في ظل كل الظروف التي تشمل العالم على مستويات الصناعة والاقتصاد وتعدد وسائل الإنتاج ومشاهدة الأفلام. فيلم الافتتاح اختير ليكون «مرحى، قيصر»، آخر إنتاجات الآلة الإبداعية للأخوين إيتان وجووَل كووَن: كوميديا ساخرة (كعادة كوميديات الأخوين) تدور في رحى هوليوود الخمسينات وتتوزع مهام أحداثها على منتج (جوش برولين) وممثل (جورج كلوني) وصحافية سينمائية (سكارلت جوهانسن)، مع شخصيات تدور في فلك نظام الاستوديوهات في تلك الفترة وتناقضاته. على عكس «جاذبية» الذي افتتح مهرجان فنيسيا قبل عامين وكان من بطولة كلوني أيضًا، فإن هذا الفيلم ليس مشاركًا في المسابقة التي تضم أعمالاً كلها «وورلد برميير» (العرض العالمي الأول). هناك ثلاثة أفلام أميركية في المسابقة، لكن النسبة الغالبة هي للأفلام الفرنسية إذ يعرض المهرجان خمسة أعمال، هي إما فرنسية بالمطلق أو فرنسية مشتركة مع دول أخرى. فيلم المخرج البوسني دانيش تانوفيتش «موت في سراييفو» وهو مثل فيلم الأخوين كووَن، كوميديا ساخرة لكنه قد يكون أكثر تعاملاً مع مسائل اجتماعية لا يمكن لتانوفيتش، المعروف بجدّيته، التغاضي عنها، فالموضوع يكمن في أن دبلوماسيين أوروبيين سيزورون المدينة وسيحطون الرحال في أفضل فنادقها، لكن ما لا يعرفه هؤلاء أن عمال الفندق وموظفيه قرروا القيام بإضراب في الفترة ذاتها، لأنهم لم يقبضوا رواتبهم منذ شهور. الأفلام الفرنسية الأخرى هي «سانت أمور» لغوستان كرفرن وبطولة جيرارد ديبارديو، و«أن تكون في السادسة عشر عمرًا» لأندريه تاشينيه، و«أخبار من كوكب المريخ» لدومينيك مول، و«أشياء مقبلة» لمايا هنسن لوف، وهو إنتاج مشترك مع ألمانيا ومن بطولة إليزابث أوبير. * هجمة عربية في المسابقة أيضًا ثلاثة أفلام ألمانية (وألمانية مشتركة) ثم فيلم واحد من كل دولة أخرى وهي كندا والبرتغال وتونس والصين وبريطانيا وإيطاليا والفلبين وإيران والدنمارك ونيوزيلندا وبولندا. الفيلم التونسي «نحبك هادي» للمخرج الشاب محمد بن عطية. إنه الاشتراك التونسي الأول في التاريخ الطويل لمسابقة المهرجان على الأرجح وأحد الاشتراكات العربية القليلة التي اختارتها إدارات المهرجان المتعاقبة لتدخل السباق صوب الدب الذهبي. لكن هذا، على أهميّته الكبيرة، ليس الفيلم العربي الوحيد ولا حتى من بين حفنة أفلام عربية موزّعة في جوانب المهرجان الألماني كالعادة، هذا العام، عنوة عن أي عام سابق، أكثر من خمسة عشر فيلمًا عربيًا جاءت من دول مختلفة تعرض في أقسام المهرجان المختلفة، من بينها فيلم تونسي آخر عنوانه «ثورتي» لرمزي بن سليمان. ومن الجزائر هناك فيلم للمخرج المعروف رشيد بوشارب بعنوان «الطريق إلى إسطنبول». بوشارب هو فرنسي الإقامة والعمل ولو أن بعض أفلامه السابقة تم تقديمها باسم الجزائر، وهو حال هذا الفيلم أيضًا. من المغرب فيلم «جوّع كلبك» لهشام لعسري وهو فيلمه الرابع، ويتناول موضوعًا سياسيا أيضًا (كحال معظم الأفلام العربية المشاركة). هناك فيلم فلسطيني بعنوان «عودة إنسان» لمهدي فليفل، واحد من الذين احتفت بهم المنابر السينمائية قبل أعوام قليلة عندما قدّم «عالم ليس لنا». وهناك من السعودية فيلم عنوانه «بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ، وفيلم واحد من مصر هو «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد. إلى كل ذلك مجموعة من الأفلام القصيرة من لبنان ومصر. هذا الحشد من الأفلام العربية لا يثير الغرابة، إذ إن هناك آلية إنتاج منتشرة حاليًا لم تكن موجودة، بهذا الحجم وهذا الشأن، قبل عشر سنوات. زاد من انتشارها ثلاثة عوامل متوالية ومهمة. من ناحية هناك الثورات العربية التي اندلعت في تونس ومصر وسوريا وليبيا، وأثمرت، في ثلاث من هذه الدول عن إنتاجات متكاثرة تتعرض للأحداث وما تبعها إلى اليوم. تنضم إلى هذه الأفلام، وعلى نحو تلقائي، تلك التي تتعامل وظروف الحرب في الوقت الذي ما زالت فيه بعض الإنتاجات العربية (كاللبنانية مثلاً) تتعرض لتبعات حروب سابقة. من ناحية ثانية، هناك عامل المهرجانات العربية التي، سعيًا لكسب وقود جيّد لبرامجها، ساعدت الكثير من السينمائيين العرب، ما أدّى لارتفاع عدد المنتج تلقائيًا. الناحية الثالثة، هي أن كاميرات الدجيتال تقدّمت كثيرًا خلال السنوات العشر الأخيرة، بحيث لم يعد من السهل تصوير الأفلام باستخدام كاميرات صغيرة وخفيفة، بل تطوّرت تقنيات هذه الكاميرات، بحيث باتت تمنح المخرجين نتائج أفضل، خصوصًا إذا ما كان المصوّر يملك ذوقًا فنيًا جيدًا. وهناك ناحية رابعة مرتبطة بالنواحي التقنية المذكورة، وهي أن التصوير بالديجيتال أرخص كلفة ما ساعد على إنجاز أفلام أكثر بأوقات أقصر. * رحلات في الزمن بالعودة إلى برنامج المسابقة نجد خليطًا من الدول الأخرى المشتركة لجانب تلك المذكورة أعلاه، ليس فقط بالنسبة للدول التي تمثلها، لكن أيضًا بالنسبة لمضامين تلك الأفلام وتنويعاتها الشكلية والأسلوبية. سيكون من المثير انتظار فيلم ميغويل نونز «رسائل من الحرب» المأخوذ عن رسائل بعث بها طبيب برتغالي وجد نفسه في رحى الحرب الأنغولية خلال عام 1971، بدوره يمضي الفيلم البريطاني «عبقري» إلى زمن أبعد. فيلم مايكل غراندايج يتعامل والعشرينات من خلال حكاية ناشر كتب يكتشف كاتبًا عبقريًا غير معروف ويتبناه. وينتقل «ماهانا» إلى الستينات ليتحدث عن نزاع بين عائلتين من المزارعين ومالكي الأغنام. هذا الفيلم للمخرج النيوزيلندي لي تاماهوري الذي كان انطلق من بلاده محققًا أعمالاً لافتة في الثمانينات. نزح إلى هوليوود بمساعدة شهرته وحقق أفلامًا لا بأس بمستواها العام لكنها بلا تميّز وسط الكثير من أمثالها (منها «مولهولاند درايف» و«الحافة»، كما فيلم جيمس بوند «مت في يوم آخر»). هذا الفيلم هو أقرب إلى إعلان عودته إلى بلاده بعد سنوات الغربة وعقب خمس سنوات على آخر فيلم حققه. لا هذه الأفلام ولا سواها كافية لتعني أن الشغل الشاغل للمهرجان هو استعادة الماضي، بل هناك ما يكفي من الأعمال التي تقع أحداثها في عصرنا الحالي. أحدها هو للمخرج رافي بيتس، وهو إيراني مهاجر إلى ألمانيا هربًا من جور النظام منذ عقود، سبق له أن حقق أفلامًا لافتة شارك بها، لكن فيلمه الجديد «سوي نيرو» يختلف في أنه يربط حال بطله المكسيكي وحلمه بالهجرة إلى أميركا ببعض حروب الشرق الأوسط، إذ يجد الفرصة متاحة لحمل هوية أميركية إذا ما تطوّع للقتال في بعض الحروب الدائرة هناك. وعلى النقيض، سيوفر فيلم توماس فيتزبيرغ الدنماركي «وحدة» نظرة على ما قد يحدث إذا ما قام أحد بتأليف وحدة اجتماعية تشمل مجموعة كبيرة من المعارف والأصدقاء لكي تعيش معًا في بيت كبير ورثه. فيتزبيرغ هو من بين المخرجين الذين يفضلون عرض أفلامهم في رحى المهرجان الألماني ويثبتون، في كل مرّة، صواب القرار.

مشاركة :