ركود مزدوج .. اقتصادي وتضخمي

  • 4/10/2023
  • 19:38
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

علاوة على المخاوف القائمة بشأن مستويات التضخم في الاقتصاد العالمي، يبدو أن هاجس الركود التضخمي بدأ يلوح في الأفق، وربما ذلك يعد أعلى خطورة من مجرد ارتفاع في مستويات الأسعار. المشكلة هنا أن يكون هناك تباطؤ اقتصادي مع بقاء مستويات الأسعار ونسبة نموها عند مستويات عالية، وهو ما يعرف بالركود التضخمي الذي يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع البطالة مع بقاء الأسعار عند مستويات عالية. يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي واحدا من أكبر التحديات التي مر بها المجلس منذ عدة أعوام، وهو الجهاز الذي يحاول جاهدا السيطرة على معدلات التضخم من خلال سلاحه الوحيد تقريبا، ألا وهو التحكم بمعدلات الفائدة في البلاد. فالأزمة البنكية في الأسابيع القليلة الماضية أربكت المشهد وأخلفت التوقعات حول سير الاقتصاد الأمريكي، فلا يزال الاحتمال قائما لمزيد من الانهيارات البنكية، لكون استمرار معدلات الفائدة عند مستوياتها العالية سيؤدي لا محالة إلى استسلام بعض البنوك ذات المراكز الضعيفة، وبالتالي إلى مزيد من الانهيارات وتسارع انتشار عدواها. لا شك أن تزايد معدلات الفائدة من نسبة 0 إلى 5 في المائة خلال أقل من عام، وما نتج عن ذلك من تدهور في استثمارات البنوك في أدوات الدين، ستزداد تعقيدا في حال استمرت معدلات الفائدة في الصعود. بحسب آخر التطورات الاقتصادية، من المرجح أن يرفع مجلس الاحتياطي نسبة الفائدة بربع نقطة مئوية الشهر المقبل، ما يعني تراجع احتمال التوقف عن رفع الفائدة، وبالتأكيد تلاشي احتمالية خفض معدلات الفائدة، كما كان يأمل البعض. لا تزال المؤشرات الاقتصادية تعمل ضد الاحتياطي الفيدرالي، فرأينا تراجعا في معدل البطالة في آخر تقرير هذا الأسبوع من 3.6 إلى 3.5 في المائة، وذلك بسبب زيادة عدد الوظائف لآذار (مارس) بمقدار 236 ألف وظيفة، علما أن نسبة البطالة في نزول مستمر من 15 في المائة أثناء جائحة كورونا إلى الآن. ارتفاع عدد الوظائف وتصاعد الأجور ليسا أمرين مرحبا بهما من قبل الاحتياطي الفيدرالي، لكون نسبة البطالة تقبع حاليا عند مستويات متدنية تاريخيا، ومن المعروف أن هناك علاقة عكسية بين نسبتي البطالة والتضخم، حيث إن تراجع البطالة يؤدي إلى ارتفاع التضخم، أو بمعنى أكثر دقة ارتفاع التضخم يأتي مصحوبا بارتفاع مستويات التوظيف، ما يعرف بمنحنى "فيليبس". على الرغم من ذلك، هناك إشارات يرى بعض المحللين أنها تشير إلى اقتراب تراجع كبير في مستويات التوظيف، منها الانخفاضات المتعلقة بإعلانات التوظيف، وكذلك التراجع في الوظائف الشاغرة التي انخفض عددها إلى ما دون عشرة ملايين وظيفة لأول مرة منذ منتصف 2021. وهناك كذلك تزايد طفيف في عدد المطالبات الخاصة بفقدان الوظائف، التي وصل عددها إلى 228 ألف مطالبة الأسبوع الماضي فقط، علما أن الاحتياطي الفيدرالي يتوقع - أو يأمل - أن ترتفع نسبة البطالة إلى 4.5 في المائة بنهاية هذا العام. ما "سيزيد الطين بلة" في الفترة المقبلة أن مشكلة سقف الدين للحكومة الأمريكية ستطفو مرة أخرى على الساحة، وهذا من شأنه أن يعقد المشهد الاقتصادي ويهدد سلامة المنظومة المالية، حيث إن سقف الدين المقر بحد أعلى عند 31.4 تريليون دولار سيمنع الحكومة الفيدرالية من مواصلة الاقتراض. والمشكلة هنا ليست في ضخامة المبلغ فقط، بل إن صافي الفوائد على هذه الديون يزيد على 450 مليار دولار سنويا، وهي مرشحة لمزيد من الارتفاع في الأعوام المقبلة مع ارتفاع معدلات الفائدة، ومع تنامي مستويات العجز في الميزانية السنوية. النقطة الإيجابية هنا أن سوق السندات لا تزال تشير إلى تراجع في معدلات الفائدة، حيث هناك تراجعات مستمرة في معدلات الفائدة على السندات الحكومية بآجال متعددة، فعائد السندات العشرية الآن 3.3 في المائة، وهو الذي لامس 4 في المائة الشهر الماضي، وقد كان أعلى من 4.3 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ما يدل على أن المستثمرين في سوق السندات يرون أن مستويات الفائدة على المدى الطويل ستكون تحت السيطرة.

مشاركة :