قررت عدة دول في تحالف «أوبك بلس»، بداية أبريل الجاري، إجراء تخفيضات طوعية للإنتاج بمقدار 1.16 مليون برميل يومياً بداية من شهر مايو المقبل وحتى نهاية العام الجاري، بهدف تعزيز استقرار السوق ودعم التوازن بين العرض والطلب على النفط. ويأخذ منتجو التحالف في حسبانهم المخاطر المُحتملة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، ليس فقط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وإنما أيضاً في ظل الأزمة المصرفية الأميركية التي تلوح في الأفق، والتي على إثرها انخفضت أسعار خام برنت إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل في شهر مارس الماضي. ومن شأن قرار «أوبك بلس» الأخير، أن يحد من فائض المعروض المتوقع في السوق، متى ما امتثل المنتجون لكامل التخفيضات المُعلنة، خاصة إذا اتجه الاقتصاد العالمي للركود بسبب المخاطر المالية والمصرفية القائمة. وإذا بقيت أوضاع سوق النفط رهناً بأزمة مصرفية لا نعرف مداها، فقد تشهد سوق النفط في الأشهر المقبلة تقلبات مستمرة. إجراء استباقي وذكرت دراسة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن قرار «أوبك بلس» الصادر في 2 أبريل الجاري يكشف عن تبني التحالف عدداً من التكتيكات لدعم توازن سوق النفط، ومن أبرزها ما يلي: 1- استباق الأزمات: لم ينتظر منتجو «أوبك بلس» وقوع الأزمة المصرفية ثم تعديل مستويات الإنتاج لتصحيح السوق، وكان عدم اليقين بشأن القطاع المصرفي الأميركي كفيلاً لهذا التحالف لاتخاذ إجراء استباقي بخفض الإنتاج من أجل دعم معنويات السوق. ولولا هذا الإجراء الأخير، لكان السوق قد اتجه لحالة من عدم التوازن على مستوى الإنتاج والأسعار في الفترة المقبلة. 2- مرونة التخفيضات الطوعية: لعل هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها تحالف «أوبك بلس»، منذ إنشائه في عام 2016، آلية «التخفيضات الطوعية للإنتاج» على نطاق واسع. ويعطي ذلك مرونة أوسع في تحريك مستويات الإنتاج، رفعاً أو خفضاً، طبقاً لتطورات أوضاع الاقتصاد العالمي. وإذا زالت المخاطر المصرفية في الأشهر المقبلة، فمن المنطقي أن يتجه منتجو «أوبك بلس» لوقف تخفيضات الإنتاج من أجل إشباع الطلب العالمي على النفط. وفي النهاية، هي تخفيضات طوعية، وقد لا يمتثل المنتجون لكامل التخفيضات المُعلنة. أخبار ذات صلة النفط يرتفع بعد تقييم المستثمرين لخفض إنتاج «أوبك+» النفط يرتفع في التعاملات الآسيوية المبكرة 3- قوة تسعير «أوبك بلس»: لا يزال تحالف «أوبك بلس» يتمتع بديناميكية عالية للتأثير في سوق النفط العالمية، نظراً للحصة السوقية الكبيرة، في مقابل عدم مرونة العرض من خارج «أوبك»، أي بمعنى عدم قدرة المنتجين خارج هذه المنظمة على الاستجابة للطلب العالمي بالسرعة والكميات المطلوبة. 4- دعم سعر توازني: لا تستهدف «أوبك» مستوى سعرياً محدداً للنفط، وهذا ما تعلنه على الدوام. وتحرص المنظمة على إبقاء السوق والأسعار في حالة توازن طبقاً لتطورات الظروف الاقتصادية العالمية، وهذا ما يخدم مصالح الجميع؛ المنتجين والمستهلكين معاً. ووصول النفط لأسعار متوازنة يعني قدرة الدول الأعضاء في «أوبك بلس» على تحقيق نقطة التعادل المالي لموازنتها المالية، وتحقيق الإيرادات المالية اللازمة لدعم خطط التنويع الاقتصادي، وتمويل المشاريع الاقتصادية في الأسواق الخارجية. الامتثال الطوعي وأفادت الدراسة بأن الامتثال بالكامل للأهداف الجديدة سيصبح عاملاً رئيساً في تحديد أثر القرار على سوق النفط خلال الفترة المقبلة. ويرى بنك «آر بي سي» أن الخفض الفعلي للإنتاج سيصل إلى أكثر قليلاً من 40% من المستويات المُعلنة أو خفض الإنتاج فقط بنحو 700 ألف برميل يومياً. ويظل هذا تكهناً، وربما يزيد نسبة الامتثال الطوعي للقرار أكبر من ذلك بكثير، لطالما رغبت «أوبك بلس» في الحفاظ على توازن السوق. مع ذلك، لا يرغب أي من أعضاء التحالف في تعطيش السوق أو رفع الأسعار لمستويات تعمل على تدمير الطلب لاحقاً، وهو عامل حاكم في تحديد سقف خفض الإنتاج في الأشهر المقبلة، حسب الدراسة. قرار رشيد وخلصت الدراسة إلى أن إقرار عدة دول أعضاء في «أوبك بلس» تخفيضات جديدة لإنتاج النفط هو قرار رشيد يبرره حرص التحالف على توازن السوق في ظل عدم اليقين الاقتصادي في العالم. والأهم من ذلك أنه يكشف عن التأثير القوي لـ«أوبك بلس» في آليات السوق النفطي، وهي ستستمر في الحفاظ على دور مؤثر لطالما ظل العالم في حاجة للنفط بشكل عام، ليس هذا فحسب، وإنما لدى أعضاء التحالف أيضاً القدرة على تعويض فجوة المعروض العالمي في المستقبل، مع تآكل الإمدادات من مناطق أخرى في ظل سياسات الحد من الكربون.
مشاركة :