لحظة وفاء وكلمة وداع الشريف عبدالهادي البركاتي

  • 2/12/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الموت زائر لا بدَّ منه، طال الزَّمن أم قصُر، كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ (آل عمران:185)، قد يستأذن أحيانًا فيأتي بمقدمات، كالشَّيوخة والمرض، وقد يأتي فجأة من دون مُهلة ولا ميعاد، وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (ق:19)، وقدومه يحمل في طيَّاته الكثير من معاني الحزن والألم، لأنَّه يُبعد الأحبَّة، ويفرِّق الجمع، وليس شيءٌ أصعب على النَّفس من فقد الحبيب، وبُعد القريب، ولنا في وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسلية، إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ([الزمر:30) وصلنا خبر وفاة مجيزنا الشَّيخ الزَّاهد المعمَّر سليل بيت النُّبوَّة الشَّريف عبدالهادي بن هزَّاع البركاتي، رحمه الله تعالى رحمةً واسعة، ولا شكَّ بأن نشرسيرة من نحب هو من الوفاء لهم، وتقييد تراجمهم ومواقفهم هو حفظ ذكرياتهم من الضِّياع والنِّسيان، فسال القلم بهذه الكلمات في سيرة الشَّيخ بما جادت به القريحة وسمح به الوقت، فأقول: الشريف عبدالهاي البركاتي اسمه ونسبه: الشَّيخ الـمُـسْـنِـد الفلكي الشَّريف عبدالهادي بن هزَّاع بن حامد آل مساعد، البركاتي، الحسني، المكي، الحنفي، يتَّصل نسبه بالحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. تاريخ ومكان ولادته: ولد في قرية الصَّمد بوادي فاطمة شمال مكَّة المكرَّمة، وذلك سنة 1339 هـ تقريبًا. نشأته: نشأ في قريته الصَّمد، وسكانها من الأشراف، وهناك تعلَّم مبادئ العلوم، كالقرآن الكريم، والتَّوحيد، والفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وغير ذلك، وعمل مع والده وإخوته في الزِّراعة، حيث كان والده مزارعًا يملك عدَّة مزارع، وهناك تزوج في قريته، إلَّا أنَّ همَّته في العلم لم تنتهِ، ونهمته لم تنقض، ففي عام 1375هـ انتقل إلى مكَّة المكرَّمة حيث العلماء والعلم، والعبادة والعُبَّاد، حيث مهبط الوحي، والبعثة، والولادة، صلَّى الله عليه وسلَّم، هاجر إلى مكَّة ليواصل دراسته على أيدي علمائها وفي مدارسها وحلقاتها. شيوخه: بعد قدومه إلى مكَّة التحق بدار الحديث الخيريَّة المكيَّة، وهناك تتلمذ على عددٍ من العلماء الأفذاذ، منهم: 1ـ الشَّيخ العلَّامة المحدِّث أبو محمَّد عبدالحق بن عبدالواحد بن محمَّد الهاشمي العُمَرِي (1302 هـ-1392هـ). 2ـ الشَّيخ المحدِّث أبو سعيد محمَّد بن عبدالله نور إلهي بن شهرت الهندي اللَّكنوي (1310 هـ تقريبًا-1400هـ). وقرأ عليهما في التَّفسير والحديث، كتفسير الجلالين، وتفسير ابن جرير الطَّبري، وتفسير ابن كثير، ومن كتب الحديث كالصَّحيحين البخاري ومُسْلم، والسُّنن الأربع: أبي داود والتِّرمذي والنَّسائي وابن ماجه، ومسند الإمام أحمد، وصحيح ابن خُزيمة، وصحيح ابن حِبَّان، ومُستدرك الحاكم، وسُنن البيهقي، وسُنن الدَّارقطني، وكانت غالب استفادته عليهما، وحَصَل منهما على سند الرِّواية. كما درس على غيرهما من العلماء الأفذاذ الكتب المقرَّرة في العلوم الأخرَى، واستفاد من علماء الحرم، الَّتي كانت تعجُّ مكَّة المكرَّمة بهم، منهم: 3 ـ الشَّيخ العلَّامة أبو السَّمح عبدالمهيمن محمَّد نور المصري، إمام وخطيب المسجد الحرام، (1307هـ ـ 1399هـ ). 4 ـ الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن عبدالرزَّاق بن حمزة المصري ثم المكي، ( 1308هـ ـ 1392هـ ). ولازم حلقات العلم ومجالس العلماء، وجدَّ واجتهد حتَّى تخريج من دار الحديث سنة 1378هـ، وكان ترتبيه الأوَّل بين أصحابه وأقرانه. بعد تخرُّجه من دار الحديث أمضَى حياته ـ 75 سنة تقريبًا ـ في العلم والتَّعليم، والدَّعوة والتَّأليف، والإمامة والخطابة، والإصلاح بين النَّاس، رحيمًا في أسلوبه، ودودًا في معاملاته، مع الزُّهد والتَّقلُّل من الدُّنيا. مؤلفاته: له عدَّة رسائل صغيرة، ومنظومات لم يهذِّب بعضها، منها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط، فمن تلك الرَّسائل: 1 ـ مجموعة الرَّسائل الدِّينيَّة والعلميَّة والاجتماعيَّة: وهي عبارة عن تسعة رسائل، طبعت في مجموع واحد. 2 ـ التَّقويم القديم على الحساب الحديث والقديم: في الفلك، مخطوط. 3 ـ المنظومة الفلكيَّة على حساب السَّنة الشَّمسيَّة: في الفلك، مخطوط. وله رسائل أخرَى، ما بين منثور ومنظوم، تحتاج إلى مراجعة وتصحيح. وفاته: تُوُفِّي رحمه الله تعالى في 25 ربيع الآخر سنة 1437هـ، الموافق 4 / 2 / 2016م، وصُلِّي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب، ودفن في مقبرة المعلا. تشرَّفتُ قبل سنوات بزيارته أنا وأخي الشَّيخ حسن الحسيني واللَّقاء به وببعض أبنائه بمكَّة المكرَّمة، والجلوس بين يديه والحصول على إجازته، وكان يمتاز رحمه الله تعالى بالبساطة والبشاشة، محبًا للفقراء، كريم النفس، يحثُّ أبناءه على إكرام ضيوف الرَّحمن وزوَّار بيت الله الحرام، قرأتُ عليه المسلسل بالأوَّليَّة، وأخذتُ عنه المسلسل بالـمُـدِّ النَّبوي، كما قرأتُ عليه الأوائل السُّنْـبُـليَّة الكبرى في الحديث، وقد أهداني صور بعض مؤلَّفاته المخطوطة، ومنها صورة إجازة من الشَّيخين عبد الحق الهاشمي وأبي سعيد نور إلهي، رحمه الله رحمةً واسعةً، وغفر لنا وله ولجميع المسلمين. مصدر التَّرجمة: وثائق خاصَّة بالكاتب، الشَّريف عصام البركاتي ابن الشَّيخ، وصاحب تسجيلات الإمام البخاري الإسلاميَّة. المصدر: بقلم د. محمد رفيق الحسيني

مشاركة :