النور.. رفيق «السفر عبر الزمن»

  • 2/12/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يعود مهرجان أضواء الشارقة إلينا حاملاً أنواره، التي تزيد أرض الإمارة الباسمة جمالاً وبهاء. المهرجان لمسة إبداعية جمالية تخطف الأبصار، يستطيع بجدارة أن يرسم لوحة فنية فريدة من نوعها تحكي وتجسد الأسرار والأساطير التي تخفيها إمارة الأحلام. يصحبنا المهرجان في رحلة نورانية نبدأها من إحدى منارات العلم، الجامعة القاسمية، لنحلق في السماء مع صقور القوة لنجوب أصقاع العالم، شرقاً وغرباً. ومع جول فيرن، نكسر أسوار الخيال فتدب فينا روح الابتكار، نذوب مع الأميرة هميرا، لنرتدي عباءة الإغريق، وعند ملتقى العالم نجد هويتنا مع أسرتنا. نفتح عقولنا على مصاريعها لتنيرها أشعار صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المضيئة التي تجسد رؤية سموه وحكمته السديدة. نمر من نفق الأضواء لنصل إلى القبة الفلكية فنخوض غمار الفضاء، يهبط بنا إلى عالم الهدوء، فنغرق في السكينة، عندما نقف على أعتاب مساجدها التي زينها بأنامله، من النور والتقوى، مروراً بمسجد الجامعة القاسمية والمغفرة، حتى الوصول إلى مسجد عمار بن ياسر. مهرجان أضواء الشارقة يزين هذا العام 23 موقعاً في عاصمة الثقافة الإسلامية والسياحة العربية، بأزهى أنواره التي تتكامل مع الصورة والموسيقى، في عروض أسطورية يلتف حولها الجميع. هذه العروض بألوانها المضيئة تجذب الكثيرين من الإماراتيين والمقيمين والأجانب الذي يتنقلون بشغف بين المواقع المختلفة كل ليلة. لا أعرف لماذا انتابني إحساس بأن مهرجان أضواء الشارقة الذي بلغ عامه السادس، يخفي لي الكثير من المفاجآت، فهكذا عودنا. كان لدي يقين، ما إن انطلقت أيامه التي تنتهي غداً، سأشهد مغامرة لا مثيل لها، أقوم من خلالها برحلات ساحرة أستطيع فيها مع زواره أن نستكشف الحضارة والمجد الإنساني، عبر الزمن، باستخدام عالم الأضواء الجميل، بكل تقنياته الحديثة، خاصة أن المهرجان يستخدم الرسوم المتحركة ثنائية وثلاثية الأبعاد معاً، لتبرز هذه اللوحات في الوقت ذاته جمال المعالم الثقافية البارزة التي تشتهر بها الشارقة. الشعار الذي اختاره المهرجان لنفسه هذا العام السفر عبر الزمن يثير الفضول، ويجعلك تعدو للحاق بركب العروض الضوئية التي زينت واجهات أبرز معالم إمارة الشارقة. البداية عند الجامعة القاسمية، تلك المنارة الإسلامية الجديدة، التي تشع نوراً لكل طالب علم في كل بقاع الأرض، وتعتبر تحفة معمارية تضاف إلى سجل الشارقة الحافل بالإنجازات. أمام الجامعة وقفت أتأمل واجهتها التي تزينت بستار مخملي أنيق انتظرت إزاحته لتقع عيناي على ذلك العرض الأسطوري المبهر الذي تتمازج فيه الألوان مع الموسيقى، لتعرض لنا قصة ترحال الصقور التي ترمز إلي شموخ العرب، ترصد لنا رحلتها من إمارة الشارقة إلى كل أصقاع العالم، لتبقى عاصمة الثقافة الإسلامية أرضاً حاملة للحضارة، محافظة على التاريخ، رافعة شعار الأصالة. نورين نورديقينا كانت أول الوجوه التي وقعت عيناي عليها عندما بدأ العرض، وبعد أن هدأت من نوبة التصفيق التي انتابتها سألتها عن انطباعها فأجابتني مبتهجة: مشاهد أسطورية لم أرها في حياتي، سعيدة بوجودي في مثل هذا التوقيت الذي جمعني بذلك المهرجان، الذي سأحرص على حضوره سنوياً. تلك هي زيارتي الأولى لإمارة الشارقة، التي سمعت أنها منارة ثقافية في العالم العربي، وما رأته عيناي على واجهة الجامعة القاسمية خير دليل على أنها بالفعل منارة الإبداع والثقافة. ها هو مهرجان أضواء الشارقة، ذلك الكرنفال السنوي، يقارب على الانتهاء، ليرحل ذلك الضيف العزيز الذي أمتعنا وأبهرنا طوال 10 أيام متتالية. ها هو يوشك أن يغادرنا تاركاً الجميع في حالة من حالات الانتظار لعامه السابع، يغادرنا بعد أن قدم لوحة تذكارية نادرة فنية مبدعة، ركزت على إظهار ملامح من الموروثات الشعبية لسكان الإمارات، وطبيعة البيئة المحلية في الزمن القديم، وتراث البحر والغوص وصيد اللؤلؤ آنذاك، مع صور من حياة الكائنات المائية والأسماك الملونة، وعروق المرجان في عمق مياه الخليج، إضافة إلى صور صولات وجولات الفرسان والخيل سوياً، مع العديد من الزخارف الفنية المتراقصة والتراث الإسلامي الآسر، مستعرضاً لوحات مضيئة من حضارة الإمارات الماضية ونهضتها الحاضرة. لن نقول وداعاً مهرجان أضواء الشارقة، لكن سنقول إلى لقاء مكلل بالفن والإبداع. الأسر تحلقفي عروض القبة الفلكية عدد السيارات المتابع لعروض مهرجان أضواء الشارقة في كل المواقع كبير، وعدد الأسر والعائلات التي اصطحبت أطفالها يستحق الوقوف عنده طويلاً. ماجارا نونييس الهندي الجنسية الذي اصطحب أطفاله الخمسة لمتابعة عروض القبة الفلكية أجابني عن سؤالي الخاص بانطباعاته قائلاً: تلك العروض المبهرة مناسبة تماماً للعائلة بأكملها، فنحن ننتظر ذلك المهرجان سنوياً لأننا نجد فيه فرصة جيدة جداً للترويح عن أنفسنا ونتلاقى مع أصدقائنا، ويعد فرصة جيدة لتثقيف أولادنا، خاصة أنه كل عام يقدم معلومات جديدة عن تاريخ العالم واكتشافاته. القصباء تكتشف بداية الكون والحواس الخمس يزين المهرجان رئة الشارقة القصباء تلك القناة التي تعتبر متنفساً للجميع طوال العام. تفاجئنا القصباء هذا العام بواجهتها الداخلية التي امتدت إليها يد المهرجان العبقرية، لترسم عليها ألواناً أسطورية، وعلى صوت الموسيقى الهادئة يحكي حجر القصباء الذي يحمل معه كل فنون الحضارة والثقافة الإسلامية قصصاً مصورة مجسدة أمام أعيننا. تنفر القصباء هذا العام بعرضين مختلفين تماماً لا يشتركان سوياً سوى في جمال العناصر التقنية التي تضفي عليهما إبهاراً يخطف العقول. العرض الأول تستطيع من خلاله أن تسافر عبر الزمن لتعود إلى الأساطير الإغريقية فترى الأميرة هميرا وهي تتحدث عن النور الذي ولد على أيدي الآلهة، تستطيع أن ترصد مكونات النور وتشهد لحظة ميلاده من الومضات إلى تفاصيل الخيوط المنبعثة والتي تترجمها العين إلى مثلثات صغيرة حتى تكبر فترى العين ذلك الضوء الذي ينير أرجاء الكون. تستطيع من خلال هذا العرض أن تتعرف إلى قصة خلق الكون. دقائق قليلة تستطيع أن ترتشف فيها بعضاً من القهوة وسرعان ما تسمع صوت الموسيقى تدوي في أرجاء المكان، لتشهد عيناك قصة حواسك الخمس من التذوق واللمس والشم والسمع والرؤية. وأمام هذا العرض المبهر لا تستطيع سوى أن تحمد الله سبحانه وتعالى على النعم التي وهبها لنا. ريتا هامورين كانت تجلس مع صديقتها على أحد المقاهي المنتشرة في القصباء وقبل أن يبدأ العرض للمرة الثانية سألتها عن انطباعاتها فقالت: استمتعت بشكل لا يوصف، وأكثر ما أعجبني أنني استطعت في خلال دقائق أن أتعرف إلى الكثير من المعلومات بطريق مبهرة عن قصة الكون وبدايات النور، بل لا أبالغ عندما أقول بأنني اكتشفت نفسي من خلال العرض الثاني المسمى اكتشف حواسك. أشعار مضيئة اختير قصر الثقافة الذي يحمل كثيراً من الدلالات لعرض خاص وفريد يزيد من جماله وتألقه وبهائه. وفي لمسة من لمسات الوفاء والإجلال والتقدير من أهل عاصمة الثقافة والسياحة تُعرض قصيدة منابع العزة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، صاحب الفكر والحكمة والرؤية السديدة الذي بفضل حبه لشعبه وبلده وصلت الشارقة إلى ما هي عليه الآن. تلك القصيدة كتبها سموه حباً وعشقاً بالشارقة التي جعل منها درة مكنونة تستحق بجدارة أن تصل إلى العالمية، وتصبح عاصمة للثقافة والسياحة عربياً وإسلامياً. عمارة المساجد تفيض نوراً كعادة عاصمة الثقافة الإسلامية، يجاور كل مبنى مهم فيها مسجد، والمساجد في دور هذا العام من مهرجان الأضواء، تحتل موقع الصدارة، فعدد من أبرزها وصلت العروض إليه. مسجد الجامعة القاسمية المبني على طراز معماري فريد تقدم واجهته عرضاً يصحب مشاهديه في رحلة ممتعة إلى مشارق الأرض ومغاربها ليكون ذلك العرض خير شاهد على عصور النهضة الإسلامية. ومسجد الجامعة القاسمية نموذج لتألق أهم المساجد في إمارة الشارقة ومدنها بعدة عروض مبهرة تُبرز جماليات التفاصيل المعمارية التي تتمتع بها هذه المساجد والزخارف على واجهاتها. والمساجد الأخرى هي مساجد النور على كورنيش بحيرة خالد، والتقوى في واجهة المجاز المائية، والمغفرة على شارع كورنيش الشارقة، وعمّار بن ياسر في مدينة الذيد. جاءني صوت عائشة المهيري من أمام واجهة مسجد النور قائلاً: طالما شعرت بالفخر، لأنني مواطنة عربية إماراتية، لكنني اليوم عن حق، زدت شرفاً وفخراً بأنني أمتلك كل هذا التاريخ، الذي يجعل العالم كله ينحني لنا، ولإرادتنا في الحفاظ على هويتنا، والوصول إلى العالمية في مجالات عديدة. وأضافت: مهرجان أضواء الشارقة هذا العام يشهد بالفعل تطوراً عالمياً فذاً، فيكفي تلك الأضواء والألوان المشرقة، التي تتألق بتصميمات خلابة تظهر تفاصيل الطراز المعماري لمسجد النور راسمة صوراً مختلفة من مختلف الحضارات. خديجة عامر، الألمانية التي أشهرت إسلامها مؤخراً، وجدتها تقف أمام مسجد النور تلتقط صوراً للإضاءة العبقرية التي تزين المكان، اقتربت منها لأسمع انطباعاتها عن المكان. تحدثت عامر قائلة: عالم من الإلهام هو عنوان ذلك العرض الملهم الذي شاهدته منذ لحظات على واجهة مسجد النور والحقيقة أن أهم ما أعجبني فيه هو أنه يستوحي مقوماته الرائعة من الهندسة المعمارية للمسجد، حيث اعتمد الفنانون المصممون للعرض على الزوايا والأعمدة المختلفة في تجسيد لوحات مبتكرة لأماكن مختلفة وأشكال متنوعة من حول العالم. ومن مسجد النور إلى مسجد التقوى الذي يشهد عرض رحلة الاهتداء بالمعالم، ويشكل المسجد أحد أجمل المواقع في واجهة المجاز المائية التي تعتمد عليها العروض الضوئية للمهرجان في سرد قصة السفر، فمن نافذة قطار ينتقل من محطة إلى أخرى يستمتع الجمهور بزيارة سريعة لأبرز المعالم الشهيرة حول العالم. تحدث لي أنطونيو بوندينوس الإيطالي الذي جاء لقضاء عطلته السنوية مع أسرته قائلاً: ذلك المهرجان خير تعبير عن الثقافة العربية التي لا نعلم عنها أموراً كثيرة، خاصة أن كل ما يصل إلينا عبر الإعلام صورة مشوهة، والحقيقة أن عرض الضوء على المساجد بهذا الشكل الواعي، من خلال عروض تحمل قصصاً مصورة هو أفضل تقديم لصورة العرب وثقافاتهم للدول الأخرى. ملتقى العالم من اليسير أن تتعرف إلى نقطة التقاء لا مثيل لها، تجمع بين الرحلات إلى مجاهل الغابات الاستوائية وأرستقراطية المدن الحديثة، عندما تقرر أن تتابع العرض الضوئي الذي يقدمه المهرجان على واجهة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة. هذا العرض يلخص فلسفة العالم وتاريخه، منذ العصور البدائية، وحتى الآن.

مشاركة :