تحدثنا في المقال الأول عن إثبات شرف النسب من جهة الأم، واستشهدنا بالآيات الكريمة: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل، ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين} (الآيات من 84-86 من سورة الأنعام) وذكرنا شرح القرطبي لهذه الآية حيث يرى أن أولاد البنات ألحقوا بإبراهيم، وإلى مثل هذا القول ذهب ابن كثير في تفسيره والآلوسي في تفسيره ، وأبو السعود في تفسيره. واستدل القائلون بإثبات الشرف من جهة الأم بآية المباهلة: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم..} (الآية 61 من سورة آل عمران) وفي صحيح مسلم أن هذه الآية لما نزلت دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال: [اللهم هؤلاء أهلي] (رواه مسلم والترمذي). ونخرج من هذا بأن من يثبت النسب من جهة الأم يستشهد بمثل هذه النصوص والآثار، وقد ألف الضرير المراكشي كتاباً سماه إسماع الصُم في إثبات الشرف من قبل الأم والمراكشي اعتمد على رواية صاحب كتاب الروضة حيث أثبت الشرف من جهة الأم، ورغم أن فتواه كانت من غير دليل إلا أنها كانت رداً على المنكرين، ثم أيده علماء آخرون من المالكية كأبي عبدالله الشريف التلمساني وابن مرزوق الحفيف. أما الجماعة الذين أنكروا إثبات شرف النسب من جهة الأم فاستشهدوا بقوله تعالى: {أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله..} (الآية 5 من سورة الأحزاب) وبقوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..} (الآية 11 من سورة النساء). (العالم الفقيه ابن عرفة المالكي قال: بلغني الخلاف فيمن أمه شريفة وأبوه ليس كذلك، هل هو شريف أم لا؟ قال بعض من لقيت من الفاسيين (نسبة إلى مدينة فاس في المغرب): يلزم عليه لو تزوج يهودي أو نصراني بعد عتقه وإسلامه شريفة أن يكون ولده منها شريفاً، وهذا لا يقوله منصف أو مسلم. نعم.. ويرجح بعض العلماء أن آية {ادعوهم لآبائهم) جاءت ناسخة لحكم التبني بإجماع المفسرين ولا علاقة لها بإثبات الشرف من قبل الأم الذي نحن بصدده، كما أن آية {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف، ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين، آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً} (الآية رقم 11 من سورة النساء) جاءت في سياق الحديث عن الميراث، والإجماع المنعقد هو أن ولد البنت لا يدخل تحت اللفظ الذي يخص، ولا علاقة للآية التي ذكرناها بالشرف الذي هو حاصل لذرية علي رضي الله عنه من السيدة فاطمة رضي الله عنها من وجوه ثلاثة حقيقة: الرحم والنسب والمصاهرة. ومما ينبغي أن يعلم بعد ذلك أن علياً بن أبي طالب كرم الله وجهه تزوج أكثر من زوجة بعد وفاة السيدة فاطمة، فليس لكل أولاد علي شرف النسب الهاشمي، لأن النسب الهاشمي يشترط فيه أن يتصل بالحسن والحسين وهما من فاطمة، لذا يقول علماء الأنساب: ليس كل فاطمي علوياً، وليس كل علوي بفاطمي، وليس كل علوي بطالبي، وليس كل طالبي بعلوي، وليس كل طالبي بهاشمي، وليس كل هاشمي بطالبي، وليس كل هاشمي بقرشي، وليس كل قرشي بهاشمي، وليس كل قرشي بعربي، وليس كل عربي بقرشي. والكلام المختصر المفيد في هذا الباب أن شرف النسب من جهة الأم ثابت، ولكن لا يطلق لقب السيد على من ليس بفاطمي، أي أنه من صلب علي لكن أمه غير فاطمة رضي الله تعالى عنها. د. عارف الشيخ
مشاركة :