أطلق ناشطون فرنسيون من أصول جزائرية مساعي لجمع رئيسي البلدين في مراسم الذكرى الـ140 لوفاة الأمير عبد القادر الجزائري، قائد المقاومة الشعبية الجزائرية ضد الغزو الفرنسي في القرن الـ19، التي ستجري في مدينة أمبواز بوسط فرنسا. وينشد أصحاب هذه المبادرة إعطاء بعد رمزي لـ«مصالحة بين الذاكرتين»، التي تعد مفتاحاً لحل خلافات قديمة أثرت على تطبيع العلاقات الثنائية بشكل كامل. وناشدت تنظيمات «الجزائر» و«جمعية فرنسيين من أصول شمال أفريقيا»، و«جمعية أصدقاء حجاج دوبلوا»، و«جمعية زرداب» في فرنسا، الرئيسان إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون حضور المراسم المقررة في 26 مايو (أيار) المقبل بالمنطقة، التي سُجن فيها الأمير عبد القادر نهاية أربعينات القرن الماضي لمدة خمس سنوات، إثر نفيه من طرف السلطات الاستعمارية في الجزائر. وقد لقيت هذه المبادرة تشجيعاً من طرف التنظيمات المهتمة بالتاريخ والتراث في أمبواز، والمنتخبين المحليين، وممثلي الجاليات الدينية بها، بحسب ناشطين بالجمعيات الأربع، التي ذكرت في نص الدعوة الموجهة للرئيسين بأن «ما يجمعنا (الجزائر وفرنسا) هو أقوى مما يثير الفرقة بيننا (...). كما لا تزال رسالة الأمير عبد القادر ملهمة ومتسقة مع عصرنا، وسنتشرف إذا وافقتم على تبني الحدث وحضوره». وأكدت الجمعيات، أن مشاركة تبون وماكرون المحتملة للحفل «ستكون بمثابة رمز للتقارب الثقافي بين شعبين، أبدى الرئيسان تمسكهما الكبير به»، في إشارة إلى تصريحات لهما بمناسبة لقائهما بالجزائر في أغسطس (آب) 2022 عن عزمهما بناء شراكة اقتصادية قوية، وإيلاء أهمية لـ«مسألة الذاكرة»، المرتبطة بفترة الاحتلال والجرائم التي ارتكبت خلالها. والأمير عبد القادر بن محيي الدين شخصية بارزة في تاريخ الجزائر، يعدّه المؤرخون مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. وخاض معارك كبيرة بعد الغزو الفرنسي للجزائر في 1830، لكنه استسلم في نهايتها، ونفي إلى تولون (جنوب شرقي فرنسا) حيث سجن، كما سجن في بو (جنوب غرب)، ثم في قصر أمبواز من 1848 حتى إطلاق سراحه في 1852. وعاش الأمير منفى ثانياً في دمشق، حيث عُرف في 1860 بالدفاع عن مسيحيي سوريا، الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد، واستحق لقب «رمز التسامح الديني». وفي العام الماضي نصبت الرئاسة الفرنسية في أمبواز لوحة فنية عليها صورة الأمير، سمتها «ممر عبد القادر»، تقديراً له. وجاءت المبادرة ضمن مساعي البلدين لطي «مسألة الذاكرة». غير أن اللوحة تعرضت لعمل تخريبي في فبراير (شباط) 2022، لم يعرف من يقف وراءه. وكانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن تبون اتفق مع ماكرون خلال اتصال هاتفي بينهما، على تأدية زيارة دولة إلى باريس في مايو المقبل، من دون ذكر تاريخ محدد. ولاحقاً قالت مجلة «جان أفريك»، إن موعدها سيكون في 02 و03 من مايو المقبل. لكن حدث بعد هذا الاتفاق المبدئي خلاف حاد عُرف بـ«قضية هروب الناشطة المعارضة أميرة بوراوي» إلى فرنسا عن طريق تونس، حيث اتهمت الجزائر المخابرات الفرنسية بـ«إجلاء بوراوي سرّاً»، وقالت: إن دبلوماسيين فرنسيين شاركوا في عملية تهريبها عبر الحدود التونسية ومنها إلى فرنسا. وتم سحب سفير الجزائر من فرنسا، احتجاجاً على «انتهاك سيادة الجزائر»، ولم ترد فرنسا على الاتهامات. وكانت المعارِضة الأربعينية، التي تملك الجنسيتين، ممنوعة من السفر لمتابعتها بتهمتي «ازدراء الدين» و«الإساءة إلى رئيس الجزائرية». لكن هدأت العاصفة عندما أعلنت الرئاسة الفرنسية الشهر الماضي بأن اتصالاً هاتفياً جرى بين الرئيسين «سمح بإزالة الكثير من اللبس بشأن قضية بوراوي، وما ترتب عنها من تصدع في العلاقات الثنائية». وبعدها بأيام قليلة، عاد السفير إلى منصبه في باريس.
مشاركة :