قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، إن التحولات الاجتماعية التي عرفها المغرب أدت إلى نمو ثقافة الحرية، وأحدثت استعداداً سوسيولوجياً وفكرياً لاستيعاب مفاهيم الحرية والاستقلالية، داعياً إلى تعديل القانون الجنائي لتعزيز الحريات الفردية. وأوضح وهبي خلال لقاء نظمه «مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة»، حول «الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية»، مساء أول من أمس، أنه رغم أن مفهوم الحريات له «تاريخ تداولي محدود وقصير الزمن، فإن ما يعيشه المغرب من تحولات اجتماعية عميقة يجعل الموضوع ليس من باب الترف، بل يتعلق بالانتقال الاجتماعي، الذي يشهده المغرب». ورداً على من يدعي أن إطلاق الحريات الفردية من شأنه خلق فتن في المجتمع، قال وهبي إن منبع الفتن «يكمن في نزوع الأفراد إلى التدخل في الحياة الشخصية لبعضهم بعضا... وهذا نمط للتسلط حاول البعض أن يشرعنه بدعوى شرع الله، إلا أن المغاربة فطنوا بنباهتهم إلى أن الاسم الحقيقي هو (شرع اليد)، ما يعني الفوضى والفتنة». في سياق ذلك، عد وهبي الحريات الفردية أساس الدولة الاجتماعية، وقال إن المغرب «شهد إصلاحات قانونية مهمة. إلا أن ورش إصلاح القانون الجنائي بقيت مؤجلة، وبقيت الحياة العامة تحت قانون جنائي متقادم، ومسيء لمجمل المكتسبات الديمقراطية والحداثية، التي حققها الشعب المغربي بإرادة ملكية وحماس وطني». معتبراً أن انخراط المغرب بإرادة قوية في بناء الدولة الاجتماعية، باعتبارها محاولة لضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطنين «يعد دعوة قوية لإصلاح القانون الجنائي المغربي بمنطلق الدفاع عن الحريات الفردية». كما اعتبر وهبي أن أهمية الدولة الاجتماعية، التي يدشنها المغرب اليوم «تكمن في سن سياسة تمنح الإمكانات الضرورية لتصبح للفرد حرية تقوّي لديه المواطنة النشطة». مشيراً إلى أن توسيع الحريات الفردية في مشروع إصلاح القانون الجنائي المغربي (ما زال في طور المصادقة عليه من طرف الحكومة) «هو انسجام أولاً مع التداعيات الاجتماعية، التي تخلقها السياسة الاجتماعية، التي باشرتها الحكومة المغربية منذ تسلمها القرار الحكومي بالبلاد، وثانياً الانسجام مع المعيش الواقعي لأدوار الفرد المغربي داخل الحياة العامة للمجتمع المغربي». وأضاف وهبي أن الدفاع عن الحريات الفردية اليوم في إطار مشروع إصلاح القانون الجنائي المغربي «ليس ترفاً فكرياً أو قضية نخبة تتعالم بها على مجتمعها، بل هو من صميم الدفاع عن التنمية الشاملة والمستدامة لمجتمعنا التواق للتقدم والازدهار». مشيراً إلى أن إصلاح أو تجديد منظومة الحقوق والحريات في بعدها الفردي والجماعي «سيتم من خلال احترام الثوابت الدستورية للمملكة»، وفي حال الاختلاف «نحتكم إلى مؤسسة إمارة المؤمنين، تحقيقاً لمقاصد الدين الكلية، واستلهاماً لروحه في الحرية والكرامة والعدل والمساواة بين الناس». كما أشار وهبي إلى تشبث ملوك المغرب حتى اليوم بمبدأ الشرعية، وتشديدهم على أنهم «لا يحلون حراماً ولا يحرمون حلالاً»، وهو ما سبق أن عبر عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح الولاية التشريعية السابعة عام 2003 بالقول: «لا يمكنني بصفتي أميراً للمؤمنين أن أحلّ ما حرّم الله وأحرّم ما أحلّه».
مشاركة :