مضحكة بقدر ما هي موهوبة، وبقدر ما أدهشت الجمهور على الشاشة الصغيرة ستقتحم عما قريب أسوار الشاشة الكبيرة لتصبح نجمة سينمائية. هذه الشابة الأم غير العادية، التي غدت معروفة للجمهور منذ عام 2013 من خلال فيلم المعتوهة (أو البلهاء) على قناة بلاس الفرنسية، ومن خلال مسلسل عشرة في المئة الذي عرض على قناة فرنسا 2 عام 2015 في دور أندريا مارتل، ومن خلال تمثيلها مع النجم براد بيت في أحد الإعلانات، لم تبلغ بعد مرحلة النجومية الكبرى، بل لم تزل ممثلة عادية لكنها مشحونة بموهبة وطاقة وحس دعابي للنكتة، سيجعلها قادرة على بلوغ مصاف مشاهير الفنانين والنجوم خلال الفترة المقبلة. إنها كاميل كوتان التي التقتها مجلة إيل الفرنسية للمرة الثالثة، وقد يبدو هذا استثناء خلال فترة وجيزة، بل ومثير للدهشة. من المعروف أن مجلة إيل تكتب عن الأيقونات والنجمات أو عارضات الأزياء الشهيرات اللواتي يظهرن بشكل صارخ على أغلفة المجلات. فلماذا تم التركيز على ممثلة غدت ظاهرة فنية من خلال شخصيتها في المعتوهة؟ الواقع أن كوتان صارت نجمة المراهقين والكبار معاً. وإذا ما عدنا إلى عدد المتفرجين الذين جاؤوا في عام 2015 لرؤية أول فيلم طويل لفيلم المعتوهة - أميرة القلوب أو (ملكة الاستنكار والسخرية من الذات) سنجد أن هذا العدد بلغ مليوناً و200 ألف متفرج. فهل جاء هؤلاء لأنهم كانوا يخشون أن يخلطوا بين شخصيتها التي جعلتها مشهورة، بعد أن شاهدوها لثلاث وخمسين ثانية، على قناة بلاس قبل عامين، أو لأنهم يريدون فعلاً الترفيه عن أنفسهم والتعبير الحقيقي عن سعادتهم لرؤية شخصية على الشاشة تقول كل ما يخطر على بالها وتعمل كل ما لا يتجرأ أحدهم على فعله؟ كان يمكن لكاميل كوتان أن تتوقف عند هذا الحد، وألا تخرج من هذه العباءة المناسبة لها جداً، وأن تتقيد بشخصية كاميلا التي اخترعها لها إلويس لانج ونويمي ساجلو، والتي تتصف بأنها لا تطاق لأنها مستفزة، وصاحبة سوء النية، وأنانية، وقذرة، ودائمة الخسارة والاستنجاد. كلا، فبعد أشهر قليلة من خروج المعتوهة - أميرة القلوب وجدنا أن الممثلة لمعت بشكل لافت في مسلسل عشرة في المئة الذي كتب من خلال ذكريات الوكيل الفني الشهير دومينيك بيسنيارد، وتمت الإشادة بها من قبل كل النقاد أثناء بث الموسم الأول في الخريف الماضي على قناة فرنسا 2. ومع شخصية أندريا، المستوحاة من مديرة الفرق الفنية والسيدة المرموقة إليزابيث تانر، حاولت كاميل كوتان أن تجعل هذه الشخصية أكثر تعقيداً وهيبة، وغير ودودة، علماً أن الطاغي الرئيسي على هذه القصة المغناة عن طريق الكورس، والتي تم فيها رسم كافة الأدوار بشكل رائع - وهو ما يبقى بمجرد أن نغمض أعيننا بعد فترة طويلة من عرض المسلسل-، هو شخصية أندريا صاحبة الاستراتيجية الكبرى في الأنوثة المسترجلة التي لا علاقة لها بشيء من الأنوثة . مرة أخرى، نرى أن شخصيتها تبدو بالغة التمويه بالنسبة لممثلة، وكأن في كل مرة تمتص فيها كاميل كوتان التفاصيل الصغيرة الأخرى التي تشكل شخصية ما، تنسى نفسها أو تتفنن في التواري في ظل الشخصية. لذا، نجد أنفسنا مترددين في أن نعمل على إخراجها من هذا الجحر، بطرح أسئلة تتطلب منها ذكر حياتها الخاصة. وأول ما نراه على وجهها وقوامها هو أنه لا يوجد شيء مزيف فيها: لا ماكياج، ولا أشياء صناعية، ولا كعب عالياً، ولا قلق من كيفية ظهور صورتها في المجلة. ولكن هذا لا يمنع أنه على مدار اليوم، تحافظ كاميل كوتان على أنوثة لا جدال فيها، وهي تخبرك بلا تردد عن عمرها (37 عاماً) وتسحرك بصراحتها. فعلى سبيل المثال، تخبرك أنها لم تشعر براحة كبيرة خلال التقاط الصور، وتقول في ذلك: بمجرد أن أضع الماكياج أشعر أن شكلي بات جامداً جداً، وعندما تم التقاط الصور في دائرة ألعاب كليشي مونمارتر، شعرت بأنني ألعب دوراً بلا سيناريو ولا حوارات. تشير كوتان إلى أنها تكره لعبة الحظ التي تعتبر بمثابة أساس المشاهد في المعتوهة. وتضيف: عندما أمثل أكون قادرة على فعل أي شيء. فالتصوير تحد مثير بالنسبة لي، ولا نعرف كيف سيبدو الفيلم وعما إذا كان يشكل قصة بالفعل، ولذا أعتبره بمثابة الفيلم التجريبي الأول لي. وبقدر ما تندمج كوتان في دور الممثلة في الحياة اليومية، إلا أنها غير قادرة على الكذب. ففي كل مرة أود فيها إخفاء مشاعري، أجد نفسي مذعورة. علماً بأن الكذب حسب رأيها يكون ضرورياً أحياناً لحماية من نحب. وتقول: أثناء طفولتي، عملت أمي كل شيء كي لا أخفي عنها أي شيء. حتى إنني عندما بلغت سن المراهقة، كنت أخرج بلا استئذان، وكنت غالباً ما أترك ورائي القرائن التي تدل علي كآثار أقدامي على السجادة، وحقيبة أدوات الزينة على الطاولة وفي غرفة الطعام.. وكنت أبعثر أغراضي هنا وهناك، كي أقول أين أنا، علماً بأن هذا لم يمنع والدتي من أن تراقبني وتغضب مني عندما أعود في وقت متأخر. تلاحظ كوتان (التي ترفض الإقلاع عن التدخين رغم كل مضاره) أن الشخصيات الجديدة في السيناريوهات باتت أقل ارتباطاً من ذي قبل بالنيكوتين، اللهم باستثناء الشخصية التي تجسدها في المعتوهة، فهي حسب وصفها تسحق أعقاب السجائر في أي مكان، في حين أن شخصية أندريا في عملها الثاني لا تدخن سوى السجائر الإلكترونية. يذكر أن كوتان بدأت في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني المنصرم، تصوير فيلم من إخراج جليل لوسبير حيث تجسد شخصية شرطية، كما أنها انتهت للتو من تصوير فيلم صوت العقل الذي تجسد فيه شخصية أخصائية اجتماعية لا تدخن على الإطلاق. أغرب ما في مسيرة كوتان أنها لا تكف عن تلقي الكثير من السيناريوهات، وترفضها، ويقال لها أحياناً: كيف تفعلين ذلك أنت يا من أضعت الكثير من الوقت حتى بلغت ما بلغته؟ فتجيب: إنها معلومات كاذبة، فأنا لم أضيع الوقت أبداً بل كنت ممثلة في المسرح، وكنت أجد متعة في العمل مع المجموعة دون أن أكشف عن هويتي، وكنت أتابع طريقي بمرح وبطء.. يذكر أيضاً أنه في الخريف الماضي، لعبت كوتان مسرحية العاصفة إنتاج جماعي لشركة ( ليه سون كو)، التي انطلقت من قصة الهجوم الذي وقع في مسرح موسكو عام 2002. وهي قصة أحد الناجين الفرنسيين الذي أخذ كرهينة ولم يعد يتذكر أي شيء... وقد كان الأمر مثيراً تمثيل هذه القصة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتقول كوتان: ما يثيرني في عملي هو أننا نجري اختبارات بالمعنى الحقيقي لتجسيد شخصيات بعيدة جداً عنا، ثم تصبح هذه الشخصيات بعد ذلك في متناول اليد. ومن الأفلام التي أحبتها كوتان هذا العام فيلم موستانج لدنيز كاميز إيرجوفين. وعندما طلب منها في حفل جوائز سيزار اختيار العرابة - وهذا أمر إلزامي - فكرت كوتان على الفور بممثلة أخرى ما زالت في مراحلها الأولى وهي لبنى أبيدار، الممثلة التي ظهرت في فيلم المحبوبة، والتي أجبرت على ترك بلدها الأصلي المغرب، إلى المنفى بعد تعرضها لعدة اعتداءات عنيفة مرتبطة بسبب هذا الفيلم. ومن خلال خياراتها، تسلط كاميل كوتان الضوء على الممثلة أكثر من تسليطها على نوعية الفيلم. وتختم بقولها: في البداية، أنت تمثل لنفسك، من أجل المتعة. وكلما كبرت، تريد أن تمثل في أفلام تحكي قصة العالم، وتساعد على تغييره، كما أفعل أنا.
مشاركة :