الحمد لله على قضائه وقدره.. فُجعنا فجر يوم الجمعة 16 رمضان 1444هـ الموافق 7 أبريل 2023م، بنبأ وفاة الرائد الكشفي إبراهيم حمزة كردي، عن عمر يناهز الـ85 عاماً، قضى جلها في الميدان التربوي والتعليمي والتطوعي من خلال الكشافة التي عشقها وعشقته فأعطاها كل ما عنده في شبابه، وحتى في كبره بعد التقاعد من العمل الوظيفي الرسمي وقبل أن يداهمه المرض، حيث كان يتدفق حيوية ونشاطاً، يشارك زملاءه بثاقب خبرته وصواب رأيه، يُجملها بسمات جليلة وخصال حميدة تدلت في تميز علاقاته وحسن تعامله وفي هدوئه وتواضعه، وتأكد لي ذلك من كم العبارات التي تناقلها زملاؤه ومحبوه عبر وسائل التواصل فور انتشار خبر وفاته - رحمه الله- حيث سطر الجميع الكثير من مناقبه، وأن الكشافة السعودية بفقده فقدت شخصية تربوية تطوعية مثالية مرموقة حمل بين جوانحه هم الكشفية والإعلاء من شأنها، فقد كان مساهماً في صناعة قادة الكشافة بالمدينة المنورة، وأسهم في مسيرة تواجد الحركة الكشفية بها وتطويرها، كما كان عند تأسيس رابطة رواد الكشافة السعودية من الشخصيات التي تم الاستئناس برأيها، فقد كان رائداً كشفياً حقيقياً تثق في معلوماته وبآرائه المتزنة، وبصراحته عند إبداء الرأي الموضوعي. كتب عنه الإعلامي والرائد الكشفي فهد محمد الجهني في أحد المطبوعات الكشفية عام 1426هـ، أن إبراهيم كردي «أحبَّ الكشفية فأحبته، أعطاها العطاء والإخلاص واكتسب منها الخبرة والتجربة والدراية والقيادة»، كما كنت قد كتبت عنه شخصياً مقالاً قبل سنوات ذكرت فيه أنه على مر التاريخ الكشفي السعودي الذي تجاوز الثمانية عقود، برزت العديد من القيادات الكشفية التي جمعت بين القيادة والتربية، وهو الأمر الذي يفترض أن تضطلع بها الحركة الكشفية، باعتبار الكشفية ميدانًا تربويًا مهمًا متى وجد الشخص المؤهل والمؤتمن على الأبناء الذين تحت قيادته، ومن بين الذين عُرف عنهم ذلك الأمر وأصبح مثالاً يحتذى في جيله، وما زال أثره باقياً على تلاميذه القائد الكشفي إبراهيم حمزة علي كردي، الذي يؤمن أن الحركة الكشفية ليست حركة خدمة عامة فحسب بل أنها حركة تربوية تتخذ من الخدمة العامة وسيلة وهدفاً في الوقت نفسه، وهي في ذلك تعبر تعبيراً سليماً عما ترتكز عليه معظم الفلسفات التربوية الحديثة بهدف الارتفاع بمستواها والمساهمة في تطويرها، وأن التنظيم الكشفي لا يجسم فقط فلسفة التربية التقدمية، بل هو يأخذ أيضاً بكثير من مبادئها وأسسها، وهو بذلك يؤكد أن الحركة الكشفية لا تعمل على إعداد أفرادها لمواقف محددة ثابتة بل تطالب كلاً منهم بأن يكون دوماً على استعداد لمواجهة المواقف المختلفة التي قد يتفاجأ بها، ولعل شعار «كن مستعداً» يعبِّر عن هذا الاتجاه، فهو يعنى أن المرء يجب أن يكون في حالة تيقظ واستعداد مستمر بحيث يكون مستعداً لأى موقف غير متوقع في الظروف العادية، بمعنى أن الفرد لا يعد لكل موقف على حدة ليعرف طريقة التصرف في هذا الموقف بذاته بل يعد بصفة عامة ويدرب لمجابهة أي موقف والتصرف فبه بنجاح معتمداً على نفسه. كما يحضرني أنه -رحمه الله- قد كتب موضوعاً عام 1423هـ في صحيفة الندوة جاء فيه «نواجه في حياتنا اليومية الكثير من المواقف السلوكية التي تحتاج منا نحن من يهمه أمر الشباب المسلم أن نتخذ معها موقفًا حازمًا تجاه بعض أولياء الأمور المسرفين في تدليل أبنائهم إلى حد الانحلال الخلقي، حيث يعينونهم على الفساد وخاصة في فترة سن المراهقة، ويظنون أن سعادة أبنائهم هي توفير جميع مطالبهم وإعطائهم المال ووضع جميع الإمكانيات ملك أيدهم وتحت تصرفهم، أن تعليم هؤلاء الإخلاص لا يكون بفرض مبادئ إصلاحية معينة يتجاوزها ولي الأمر، ولا أن نترك لهم الحبل على الغارب، وإنما يجب علينا أن نعطيهم قاعدة ثابتة من المبادئ الأخلاقية السامية التي جاء بها ديننا الحنيف مع إتاحة الفرصة لهم في الوقت نفسه لاتخاذ قرارات على أساس هذه المبادئ القيمة السائدة في مجتمعنا الإسلامي، وواجبنا نحن في الحركة الكشفية أن نلم ببرامج ومشروعات رعاية الشباب وما يناسب مستواهم وأهمية رعايتهم والمحافظة عليهم حتى نضمن -بإذن الله- مستقبلهم من خلال إعدادهم وزرع الثقة في نفوسهم، والأمان بالله عز وجل، وشغل أوقات فراغهم بما يفيدهم في دينهم ودنياهم. رحم الله القائد والرائد والتربوي إبراهيم حمزة كردي، فلقد رحل عن دنيانا في شهر رمضان، وهو دليل تفاؤل على حسن الخاتمة. غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.
مشاركة :