«فيكتوريا»: ما الذي فعلته بنا الوحدة؟

  • 2/12/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كانت الشابة الإسبانية فيكتوريا تبحث عن أي شخص يُمكنها أن تتكلم معه، في مدينة برلين التي لا تعرف لُغتها، كلاماً ولو مجرد ثرثرة عن أحوال الطقس، حين التقت أربعة شبان غريبي الأطوار في حانة، وذهبت معهم إلى حيث لم تعد حياتها كما كانت من قبل. هي ليلة واحدة حتى الصباح، تلك التي تدور فيها أحداث الفيلم الألماني «فيكتوريا» من إخراج سيباستيان شيبر وقصة شيبر مع أوليفيا نرجار هولم وإيريك فريدريك شولز. الفيلم الذي عُرض في القاهرة ضمن فعاليات بانوراما الفيلم الأوروبي في دورته الأخيرة اجتذب جمهوراً كبيراً. وربما يكون ما قيل عن أن الفيلم تم تصويره بالكامل في لقطة واحدة، بلا قطع، هو أحد أهم أسباب جذب كل هذا الجمهور للفيلم. لكن تجربة مُشاهدة فيكتوريا في الواقع تفتح أبواباً أخرى للفُرجة. تتحرك فيكتوريا منطلقة من حانة في برلين، على دراجتها البسيطة، وتسير الكاميرا ومن ثمْ المُشاهد وراءها، ومنذ اللحظات الأولى تبدو الأجواء واهتزازات الكاميرا المحمولة، كما لو أنها سوف تُدخل المُتلقي إلى تجربة مُدوِّخة. ففيكتوريا التي تضحك كثيراً وتبتسم في وجوه الجميع حد البلاهة، تسير مثل بطلة في لعبة فيديو جيم، حين يظهر سوني الشاب الوحيد الذي يُجيد الإنكليزية بين الأربعة شُبان الغريبي الأطوار، سوف تأخذ الليلة التي تعيشها فيكتوريا، ومن ثم المُتلقي، مساراً آخر. إنه مسار ناعم، يظهر فيه صوت البيانو الذي تعزفه فيكتوريا لسوني مُستعيدة مشاهد بعيدة من طفولتها غير السعيدة، وسط عتمة الليل وصمت المقهى الذي لم يرتده أحد بعدْ، يُنتسج رابط ما بين فيكتوريا، بعُزلتها العميقة منذ أيام كانت طالبة تفشل في مُلاحقة زملائها في عزف بيانو، وسوني حين تبوح له عن هذا الإخفاق القديم، الذي ربما يكون قد أوصلها إلى هُنا، في حانة ببرلين كي تعمل نادلة. لكن هذا الإخفاق ربطها ليس بسوني فقط، الذي يسرق ويكذب كذبات مُضحكة كل الوقت - مثلاً حول قرابته المُتخيَّلة بموتسارت -، إنما أيضاً بالمُتلقي الذي يجد نفسه أمام أجواء لم تعد ساذجة كما بدا في البداية، هُنا حيث لم تعد لعبة اللقطة الواحدة هي مصدر الجذب في الفيلم، إنها لعبة تُنتسى لمصلحة التدفق في الأحداث والمشاعر كنتيجة لخيار اللقطة الواحدة فنيًا. وإذ يبدو الحوار في «فيكتوريا» مُرتجلاً فإن تجربة التورط مع الأبطال سواء الشُبان الأربعة، أو البطلة فيكتوريا تُصبح تجربة كثيفة جداً من الناحية الشعورية.ثم إن الأحداث تستمر في التعقيد بسبب هذا الرابط، الذي يُمكن أن يُسمى حُباً بين فيكتوريا وسوني. سوني المُشرد على نحو ما، والمتورط في أعمال إجرامية، وفيكتوريا التي لم يعد أمامها سوى المُضي في هذا الطريق، لأن لا طرق بديلة. قتل ورصاص وهرولة وهرب من الجميع، هذه هي علامات طريق فيكتوريا، وكل ما سيفعله شيبر مع مُتلقيه أن يستخدم الموسيقى كفاصل لدقيقتين أو ثلاث، - ألف موسيقى الفيلم نيلس فراهم -، بينما أبطاله مُجبرون على الحياة من دون مقدرة على التوقف، هنا تُصبح السينما حقيقية أكثر مما ينبغي. الكابوس الذي وجدت فيكتوريا نفسها فيه، مثل بطلة في لعبة فيديو جيم، هو كابوس اختياري، سواء من قِبل الأبطال الذين يُعاملون العالم كله ببلاهة وطيش يقتلهم واحداً واحدًا، أو من فيكتوريا نفسها، وقد أضحت دوافعها للاستمرار ليست أكثر من قتل الوحدة ومُصاحبة الحُب وهو يستمر في فرش طريقها بالورد الخيالي. خلال العرض كان المُتفرجون القاهريون يتصايحون في الصالة متكهنين بكيف يُمكن أن ينتهي هذا الفيلم، كما أن بعضهم غادر بالفعل، بينما ظل آخرون بانتظار الفُرجة على مصير فيكتوريا التائهة بإرادتها. ولا شك في إنه الإنهاك نفسه الذي شعرت به في شكل مؤكد المُمثلة لايا كوستا، وهي مُستمرة في أداء شخصية فيكتوريا، من دون إمكانية أن تتوقف وتعود لشخصها الحقيقي لايا. حين يطلع الصباح وتعود الكاميرا إلى الحانة يُصبح من المتوقع نهاية لتجربة «فيكتوريا» الفيلم والشخصية، على رغم أن هذا اللهاث خلف النهاية، لم يعد مُمكناً له أن يجعلها نهاية سعيدة. هو لهاث غالباً سوف يتعثر بموت الحبيب الخاطف، وبعودة فيكتوريا كما بدأت وحيدة ومُصممة على السير إلى حيث لا تدري.

مشاركة :