قرأت حديثاً عن دراسة تقترح أن يكون النظام الغذائي النباتي هو العلاج الفعال لالتهاب المفاصل الروماتويدي. في حين بدا الأمر مثيراً للاهتمام، لفت انتباهي حقاً ادعاء آخر ورد في مقابلة حول الدراسة: قال المؤلف الرئيسي للدراسة إنه ينبغي للأطباء تشجيع الأشخاص المصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي على محاولة تغيير أنماط الأكل قبل اللجوء إلى تناول الأدوية. الغذاء قبل اللجوء إلى الدواء؟ انتظر لحظة وتمهل قليلاً؛ إذ إن هذا يتناقض مع عقود من الأبحاث التي تثبت بصورة مقنعة أهمية العلاج الدوائي المبكر لـ«التهاب المفاصل الروماتويدي (rheumatoid arthritis)» للحيلولة دون تلف المفاصل المستدام. ويمكن لعدد متزايد من العلاجات الفعالة فعل ذلك تماماً. في الواقع، لا يوجد دليل مقنع على أن التغييرات في النظام الغذائي يمكن أن تمنع تلف المفاصل في التهاب المفاصل الروماتويدي. وهذا يشمل الدراسة الجديدة المشار إليها. إذن؛ إلامَ خلص هذا البحث؟ دعونا نلقِ نظرة... - نظام غذائي نباتي خالص لدراسة «النظام الغذائي النباتي الخالص (vegan diet)» الخاص بالتهاب المفاصل الروماتويدي، تابع الباحثون 44 شخصاً مصاباً بالتهاب المفاصل الروماتويدي في الدراسة. وكان الجميع من النساء، وأغلبهن من ذوات البشرة البيضاء، ومن المتعلمات تعليماً عالياً. ثم قُسمن عشوائياً إلى واحدة من مجموعتين لمدة 16 أسبوعاً. > مجموعة النظام الغذائي النباتي الخالص: اتبعت المشاركات نظاماً غذائياً نباتياً لمدة 4 أسابيع، تلته قيود إضافية على الطعام ألغت الأطعمة التي عدّها الباحثون من الأطعمة الشائعة المسببة لالتهاب المفاصل. اشتملت هذه الأطعمة على الحبوب التي تحتوي على الغلوتين (القمح، والشعير، والجاودار) والبطاطا البيضاء، والبطاطا الحلوة، والشوكولاته، والفواكه الحمضية، والمكسرات، والبصل، والطماطم، والتفاح، والموز، والقهوة، والكحول، وسكر المائدة. بعد الأسبوع السابع، أعيد تقديم هذه الأطعمة؛ واحد في كل مرة. أُزيل أي طعام مُعاد إدخاله، والذي يبدو أنه يسبب ألماً أو أعراضاً أخرى لالتهاب المفاصل الروماتويدي لبقية فترة الـ16 أسبوعاً. * مجموعة النظام الغذائي المعتاد إضافة إلى الدواء الوهمي: اتبعت المشاركات نظامهن الغذائي المعتاد وأخذن كبسولة وهمية كل يوم لمدة 16 أسبوعاً. وكانت الكبسولة تحتوي جرعات لا تُذكر من الأحماض الدهنية «أوميغا3» و«فيتامين إي». بعد الأسابيع الـ16 الأولى، أخذ المشاركون 4 أسابيع إجازة، ثم تبادلت المجموعتان المهام الغذائية لمدة 16 أسبوعاً إضافية. - نتائج مختلطة > ماذا وجدت الدراسة عن النظام الغذائي النباتي؟ بدا أن النهج النباتي يساعد في تقليل أعراض التهاب المفاصل. أبلغ المشاركون في الدراسة عن تحسن أثناء تناول النظام الغذائي النباتي، ولكن لم يحدث تحسن أثناء مرحلة العلاج الوهمي. على سبيل المثال؛ انخفض متوسط عدد المفاصل المتورمة من 7 إلى 3.3 في مجموعة النظام الغذائي النباتي، لكنه ارتفع في الواقع (من 4.7 إلى 5) في مجموعة العلاج الوهمي. إضافة إلى ذلك، فقدت المشاركات ما معدله 14 رطلاً (الرطل نحو 453 غراماً) في حين أن المشاركات في النظام الغذائي النباتي قد فقدن نحو رطلين. > محدودية الدراسة: في حين أن النتائج تبدو رائعة؛ فإن الدراسة كانت لها قيود كبيرة: - الحجم: فقد سجلت 44 مشاركة فقط في الدراسة، وأكملت 32 فقط الدراسة. وبأعداد صغيرة كهذه؛ لا يلزم سوى عدد قليل لتغيير النتائج. بينما تميل الدراسات الأكبر من هذه (التي يشارك فيها مئات عدة أو أكثر) إلى أن تكون أكثر موثوقية. - الافتقار إلى التنوع: لم تشمل هذه التجربة الرجال، وكان أغلب المشاركات من ذوات البشرة البيضاء والتعليم العالي. - لا يوجد تشخيص قياسي لالتهاب المفاصل الروماتويدي: كان تشخيص الطبيب مطلوباً، ولكن لم يكن هناك أي شرط لاستيفاء المعايير القياسية. - مدة الدراسة: قد يبدو العلاج الذي يستمر لمدة 4 أشهر وقتاً طويلاً، لكن بالنسبة إلى مرض مزمن مثل التهاب المفاصل الروماتويدي الذي يمكن أن يتلاشى ويختفي من تلقاء نفسه، فإن هذا وقت قصير للغاية للتوصل إلى استنتاجات قاطعة. - كان النظام الغذائي قائماً على الإبلاغ الذاتي: لا نعرف مدى عناية أفراد الدراسة بالالتزام بالحمية الغذائية المخصصة لهم. - استخدام الأدوية: تناولت المشاركات في الدراسة أدوية التهاب المفاصل، رغم عدم تقديم أي معلومات عن أدوية محددة. أجرى البعض تعديلات على الجرعة أثناء التجربة. وفي حين حاول الباحثون تفسير ذلك عبر تحليل منفصل، فإن قلة عدد المشاركات قد تجعل هذا التحليل غير جدير بالثقة. - فقدان الوزن: قد يساهم فقدان الوزن، بدلاً من تناول نظام غذائي نباتي، في تحسين الأعراض. - لا يوجد تقييم لأضرار المفاصل: لم تقدَّم صور بالأشعة السينية أو نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي أو تقييمات أخرى لأضرار المفاصل. وهذا أمر مهم؛ لأننا نعلم أن الأشخاص المصابين بالتهاب المفاصل يمكن أن يشعروا بتحسن حتى عندما يستمر تلف المفاصل في التفاقم. تعدّ الستيرويدات والأيبوبروفين أمثلة جيدة للعلاجات التي تقلل من أعراض التهاب المفاصل الروماتويدي من دون حماية المفاصل. ولذا، ومن دون معلومات عن تلف المفاصل، فمن المستحيل تقييم الفائدة الحقيقية أو مخاطر الاعتماد على النظام الغذائي النباتي لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي. - أخيراً، من غير الواضح كيف يمكن لنظام غذائي نباتي أن يُحسن التهاب المفاصل الروماتويدي. وهذا من شأنه أن يزيد من احتمالات عدم صمود النتائج. - الخلاصة هل ينبغي أن يصبح كل شخص مصاب بالتهاب المفاصل الروماتويدي نباتياً؟ كلا، لا توجد أدلة كافية لتبرير التوصية بنظام غذائي نباتي - أو أي نظام غذائي تقييدي - لكل شخص مصاب بالتهاب المفاصل الروماتويدي. مع ذلك؛ فإن النظام الغذائي الغني بالنباتات صحي للجميع تقريباً. وما دام نظامك الغذائي متوازناً ومستساغاً بالنسبة إليك، فلا أرى ضرراً يُذكر من اتباع نظام غذائي مضاد للالتهابات. ولكن في حالة التهاب المفاصل الروماتويدي، ينبغي الجمع بين النظام الغذائي والأدوية لمنع تلف المفاصل وعدم الاعتماد على النظام الغذائي فقط بدلاً من الأدوية. وخلاصة القول: تُشير الدلائل المتزايدة إلى أن النظام الغذائي يمكن أن يلعب دوراً في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي. لكن أن يشعر الشخص بتحسن جراء اتباع نظام غذائي معين أمر؛ وأن يُقال إن النظام الغذائي وحده كاف؛ أمر مختلف تماماً. بالنسبة إلى ارتفاع الكولسترول أو ارتفاع ضغط الدم، تعدّ التغييرات الغذائية الخيار الأول للعلاج. لكن التهاب المفاصل الروماتويدي مختلف. يمكن أن يحدث تلف المفاصل المُعجّز في وقت مبكر من المرض، لذلك من المهم البدء في تناول الأدوية الفعالة في أسرع وقت ممكن للوقاية من ذلك. لا شك في أننا سوف نرى مزيداً من الأبحاث لاستكشاف تأثير النظام الغذائي على التهاب المفاصل الروماتويدي، والأشكال الأخرى من التهاب المفاصل، وغير ذلك من اضطرابات المناعة الذاتية. ربما سنتعلم أن النظام الغذائي النباتي فعال للغاية، ويمكن أن يحل محل الأدوية لدى بعض الأشخاص. لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. * «مدونة هارفارد الصحية» - خدمات «تريبيون ميديا»
مشاركة :