سياسة مالية لترويض التضخم وحماية أضعف الفئات

  • 4/13/2023
  • 23:54
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إن السياسات المالية العامة الذكية يمكن أن تساعد على استعادة استقرار الأسعار وتخفيف حدة تأثير أزمة تكلفة المعيشة، فيمكن لارتفاع التضخم أن يفرض تكاليف خطيرة ودائمة على الاقتصاد والناس. لكن الآثار التوزيعية للتضخم -أي طريقة توزيعه للأموال من بعض الأفراد إلى أفراد آخرين غيرهم- تتسم بالتعقيد. وللاستجابة بفاعلية لأشد ارتفاع في التضخم على مدار ثلاثة عقود، ولمعالجة الضرر الذي أصاب الأسر، ينبغي أن يكون لصناع السياسات فهم أفضل لكيفية تأثير التضخم في مختلف فئات المجتمع في الأماكن المختلفة. في عدد نيسان (أبريل) 2023 من تقرير الراصد المالي، ندرس آثار التضخم "غير المتوقع" على رفاهية الناس من منتصف 2021 إلى منتصف 2022، وهي فترة شهدت ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في وقت أبكر وبوتيرة أسرع من الأسعار الأخرى. ويعرض الفصل دروسا عدة لصناع السياسات حول تأثير التضخم في ميزانيات الأسر، وكيف يمكن لسياسة المالية العامة المساعدة على كبح التضخم مع دعم الفئات الضعيفة. من خلال تحليلنا كيفية تأثير التضخم في الموارد العامة، كانت النتيجة الرئيسة التي استخلصناها هي أن التضخم غير المتوقع مثلما حدث في الموجة الأخيرة، يفضي إلى تآكل القيمة الحقيقية للدين الحكومي على حساب حملة السندات. وفي حالة الدول التي تتجاوز مديونيتها 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، من المقدر أن كل زيادة غير متوقعة "مفاجئة" بواقع نقطة مئوية واحدة في معدل التضخم تخفض الدين العام بـ0.6 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، مع استمرار تأثيرها لأعوام عدة. ومع هذا، فعندما يظل التضخم مستمرا وتتحسن إمكانية التنبؤ به، تتوقف مساهمته في تخفيض نسب الديون. وبالمثل، فإن نسب العجز إلى إجمالي الناتج المحلي تراجعت في البداية، نظرا إلى عدم مواكبة الإنفاق للارتفاع في القيمة النقدية لناتج الاقتصاد. لكن هذه الآثار تلاشت بوتيرة أسرع من ذلك. استنادا إلى مسوح عامة أجريت لآلاف الأسر في ستة اقتصادات، "كولومبيا وفنلندا وفرنسا وكينيا والمكسيك والسنغال". نخلص إلى أن تأثير التضخم من منتصف 2021 إلى منتصف 2022 في الأفراد جاء من خلال ثلاث قنوات رئيسة، أنماط استهلاكهم، ودخولهم من الأجور أو معاشات التقاعد أو التحويلات، وأصولهم وخصومهم. ورغم اختلاف التأثير بين الدول "وبين فئات الدخل المختلفة"، إلا أن المسوح تكشف عما يلي: -زيادة سرعة الارتفاع في أسعار الأغذية مقارنة بالأسعار الأخرى توقع أكبر الضرر على الأسر الفقيرة، لأن الغذاء يمثل حصة كبيرة من مجموع استهلاكها. وكان هذا التأثير أوضح ما يكون في الدول منخفضة الدخل. -أدى التضخم إلى تآكل الدخول الحقيقية في الدول المستوردة للسلع الأولية، نظرا إلى أن الأجور على مستوى مختلف فئات الدخل لم تواكب مستويات هذه الأسعار. -نظرا إلى ما أفضي إليه التضخم من تآكل القيمة النقدية للأصول والخصوم، عاد النفع على الأسر ذات صافي الثروة السالب على حساب الدائنين، ولا سيما في الدول التي لديها أسواق مالية وائتمانية متطورة. -آثار التضخم في إعادة توزيع الثروة تأثرت كذلك بعمر رب الأسرة، الأسر الأصغر، التي في الأغلب ما تكون مقترضة صافية، حققت مكاسب من خلال قنوات الثروة، بينما الأسر الأكبر سنا شهدت تآكل ثرواتها. وبشأن كبح التضخم مع حماية الضعفاء، فإنه يمكن لسياسة المالية العامة أن تدعم السياسة النقدية في معالجة التضخم، لأنها تؤثر كذلك في الطلب الكلي. وتشير أدلتنا الإحصائية إلى أن تأثير سياسة المالية العامة في التضخم قد تغير على مدار العقود. وفي حالة الاقتصادات المتقدمة، نجد -منذ 1985- أن تخفيض النفقات العامة بمقدار نقطة مئوية واحدة من إجمالي الناتج المحلي، يخفض التضخم بمقدار نصف نقطة مئوية. إضافة إلى ذلك، يمكن لسياسة المالية العامة المساعدة على حماية الفئات الضعيفة. ويتضمن النموذج الاقتصادي المستخدم في هذا الفصل عدم المساواة في توزيع الدخل والاستهلاك والحيازات من الأصول. ويوضح أنه في حالة اتخاذ البنوك المركزية إجراءات بمفردها -دون دعم من سياسة المالية العامة- فهي تحتاج إلى رفع أسعار الفائدة كثيرا لمكافحة التضخم. أما تشديد سياسة المالية العامة، فهو يمكن من زيادة أسعار الفائدة بمقدار أقل لاحتواء التضخم. لكن، من أجل حماية الفقراء الذين يستفيدون بشكل أكبر من الخدمات العامة، يجب أن تقترن زيادات الضرائب أو تخفيضات النفقات ذات الأولوية الأقل بتحويلات أكبر. وهذه الاستراتيجية بطبيعتها تثمر عدم انخفاض استهلاك الفقراء، لكنها تؤدي كذلك إلى تراجع الاستهلاك الكلي.

مشاركة :