د. عبدالله الغذامي يكتب: النظرية بين التعقيد والتبسيط

  • 4/15/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تميز هوكينج بقدراته على تبسيط النظريات وكسر الفجوة بين العلم والجمهور، وكتبه تشهد بذلك وأولها وأبرزها كتابه «موجز تاريخ الزمن»، وفيه نظريته الكلية أو «نظرية كل شيء» التي اشترط لها أن تجيب عن الأسئلة الكبرى عن الوجود، ولو تحقق الوصول لجوابٍ عن لماذا نحن موجودون، ولماذا الكون موجودٌ معنا، فحينها سنحقق الانتصار الأعظم للعقل البشري، ويجب في هذه النظرية أن تكون مفهومةً للكل، للفيلسوف والعالم والعامي، وحينها تصل البشرية إلى مبتغاها الأعلى في فهم وجودها ومعناه، هكذا وصف هوكينج النظرية الكلية «المأمولة»، وشرطها المعرفي أن تكون مفهومةً للبشر كلهم عالمهم وعاميهم، وقبله جهر آينشتاين بالقول: إن النظرية التي لا تستطيع شرحها لطفلٍ صغير لا تستحق أن تكون نظريةً، ولعله كان مدفوعاً بحال نظرية الكوانتوم، وهي النظرية التي كان هو أهم مصادر نشوئها غير أنه يئس منها وخاب ظنه بمآلاتها ويغلب أنه قال ذلك تعبيراً عن خيبة أمله بها بما أن النظرية ظلت تدور في الفراغ الافتراضي كما وصفها آينشتاين ونعى على الذين تحمسوا لها وزعموا أنها تحل كل الأسئلة الفيزيائية، ولكن الذي ظل يحدث هو تعلق علماء الفيزياء بهذه النظرية رغم غموضها، وهو الغموض الذي ولد قطة شرودنجر، تلك القطة التي تراوحت بين أن تكون سخريةً أطلقها شرودنجر أو تكون حقيقةً تشرح وجهة نظره في معنى نظرية الكوانتوم، وتظل النظرية تغري العارفين وغير العارفين إغراءً يجعلهم يتقبلون عدم تفهمهم لأسباب «تحول الطاقة إلى مادة وتحول المادة إلى طاقة» في تبادل عجيب، وهي الحقيقة التي تحدث حدوثاً تكشفه الملاحظة، ولكن الدراسات تظل عاجزةً عن التعرف على سببه بمثل عجزها عن التنبؤ بوقوعه، ويعرفونه فقط بعد أن يحدث، وهنا تكون النظرية معقدةً ليس لصعوبة وضعها في كلمات ولكن لتمنع فهم الحدث أو فهم سببه، وهي لا تختلف عن مقولة (اقنوستك/ agnostic) التي تعفي الملحد عن البحث، ولكنها لا تعطي جواباً، والخلاصة أن ميزة العلم في وضوحه وليس في غموضه وفي قدرته على تفسير الظواهر وليس في إضفاء مزيد حيرة عليها، وكذلك فإن العالم العارف الذي ينتاب معرفته الغموض، فهو يضفي على علمه سمةً غير علمية، وكلما مهر العالم أو المبدع بكسر التعقيد وتسهيل التعبير عن المقولات فهو الأقرب للحقوق الأخلاقية للمعرفة، ويلخصها قول هنري ميشو (أيتها البساطة الجميلة كيف لم أكتشفك). تلك التي قال عنها تشارلز بوكوفيسكي (إن العبقرية هي القدرة على تقديم العميق بأسلوب بسيط).

مشاركة :