ماذا وراء تصاعد العنف في الأماكن المقدسة بمدينة القدس؟

  • 4/16/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تتسبب الحوادث التي تشهدها باحات الحرم القدسي الشريف أو مجمع المسجد الأقصى، الذي يسميه اليهود "جبل الهيكل"، في إشعال أعمال عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الغالب. تقرير DW التالي يشرح ما وراء ذلك. أدت المواجهات في مجمع المسجد الأقصى إلى خروج دعوات دولية للتهدئة وضبط النفس انتشرت على نطاق كبير خلال الأسبوع الماضي مقاطع فيديو تُظهر عناصر من الشرطة الإسرائيلية يدخلون المسجد الأقصى بالبلدة القديمة بالقدس ويقومون بشكل متكرر بالاعتداء على المصلين بالهراوات وأعقاب البنادق، فيما خلّف الحادث حالة من الصدمة والشعور بالإهانة بين العديد من السكان الفلسطينيين بالقدس رغم مرور أيام على الواقعة. وفي تعليقها، قالت الفلسطينية حنان وهي من سكان البلدة القديمة والتي دأبت على الصلاة في المسجد الأقصى،  "يساورني شعور بالحزن والغضب أين المنطق وأين الكرامة عندما يتم الاعتداء على الناس والنساء خلال شهر رمضان المعظم إنه مكان للعبادة في المقام الأول. القدس تمثل كل شيء بالنسبة لي". وليست حنان الوحيدة من سكان الحي الإسلامي بالبلدة القديمة في القدس التي يساورها هذا الشعور، خاصة عقب مداهمة باحات  الحرم القدسي الشريف   أو مجمع المسجد الأقصى، الذي يسميه اليهود "جبل الهيكل"، مرتين خلال الأسبوع الماضي. وفي ذلك، قال صاحب متجر للتوابل في أحد أزقة الحي ويدعى هاشم طه إن "الجميع يشعرون بالانزعاج وعدم الارتياح عند مشاهدة مثل هذه المقاطع التي تُظهر إخراج المصلين من المكان وتعرضهم للاعتداء بهذه الطريقة المؤلمة. لا أحد يمكنه قبول ذلك". بدورها، قالت الشرطة الاسرائيلية في بيان إنها "اضطرت إلى التدخل لمنع أعمال شغب عنيفة من قبل عناصر خارجة عن القانون ومثيري الاضطرابات، دخلوا المسجد (الأقصى)". واعتقلت الشرطة الإسرائيلية حوالي 350 شخصا، فيما وصف شهود عيان فلسطينيون كانوا داخل المسجد استخدام القوة من قبل الشرطة بأنه كان مفرطا وغير ضروري. ويطلق المسلمون على الموقع "باحات الحرم القدسي الشريف"، فيما يعد المسجد الأقصى ثالث أقدس مكان لدى المسلمين، فهو ثالث "الحرمين الشريفين"، بعد "المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة". أما بالنسبة لليهود، فيشيرون إلى المكان باسم "جبل الهيكل" ويعد أقدس مكان لدى اليهود. وتضم البلدة القديمة في القدس قبة الصخرة والمسجد الأقصى، فيما يوجد بها أيضا أماكن مسيحية مقدسة. وحتى تدمير الهيكل على يد الرومان عام 70 بعد الميلاد، كان يقف هنا الهيكل اليهودي الثاني، كما أن   البقعة المقدسة   بالنسبة للمسلمين ترتبط "برحلة المعراج وصعود النبي محمد إلى السماوات". أكدت الحكومة الإسرائيلية على التزامها بالحفاظ على الوضع الراهن بالحرم القدسي وخلال شهر رمضان، يعج الموقع بالمصلين والزوار وحتى الأسبوع الماضي، اتسمت أيام رمضان بالهدوء إلى حد كبير، باستثناء حادثة واحدة قبل ذلك ببضعة أيام. بيد أن أعمال العنف عشية عيد الفصح اليهودي أشعلت مزيدا من العنف وشكلت خطرا على الوضع الراهن بعد أن أطلقت فصائل فلسطينية مسلحة من غزة صواريخ باتجاه بلدات إسرائيلية محاذية للقطاع، فيما يبدو الأمر جاء ردا على أعمال العنف في المسجد الأقصى، كما جرى إطلاق صواريخ من جنوب لبنان وسوريا صوب شمال إسرائيل. وفي الضفة الغربية المحتلة، قُتِلت أمٌ بريطانية إسرائيلية وابنتاها، في إطلاق نار على جانب طريق نفذه مسلحون فلسطينيون الجمعة (7 أبريل/ نيسان)، ولاحقا في نفس اليوم قُتِل سائح إيطالي في حادث دهس منفصل. وأطلق الجيش الإسرائيلي الاثنين الماضي (10 أبريل/ نيسان) النار على صبي فلسطيني يبلغ من العمر 15 عاما في مداهمة استهدفت مخيما للاجئين بالقرب من أريحا، ما أسفر عن مقتله. بيانات منددة يشار إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، أشعلت أحداث في مجمع الأقصى في كثير من الأحيان موجات من العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين وكان أبرزها عام 2000 عندما قاد زعيم حزب الليكود آنذاك أرييل شارون مجموعة من أعضاء من الكنيست لزيارة "الحرم الشريف" فيما كان الأمر بمثابة الشرارة التي أشعلت  الانتفاضة الفلسطينية الثانية . وبعد تلك الواقعة بسبعة عشر عاما، قام آلاف المصلين بأداء الصلاة خارج الحرم الشريف احتجاجا على نصب السلطات الإسرائيلية عند مدخله أجهزة لكشف المعادن، مثل تلك الموجودة في المطارات، بعد مقتل شرطيين إسرائيليين في مكان قريب برصاص مسلحين، فيما قتلت السلطات الإسرائيلية في وقت لاحق المسلحين الثلاثة. وعلى وقع ذلك، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق ما دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه بنيامين نتنياهو إلى إزالة أجهزة الكشف عن المعادن. ويشهد الموقع مصادمات من حين لآخر جراء القيود الإسرائيلية المفروضة على الوصول إلى باحات المسجد الأقصى إذ في كثير من الأحيان تفرض السلطات الإسرائيلية قيودا على سن الفلسطينيين المسموح لهم بالصلاة داخل المسجد وأيضا على تصاريح زيارة القدس لسكان الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. وفي عام 2021، أدت الاقتحامات والمواجهات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى إلى اندلاع حرب استمرت 11 يوما بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. وحركة "حماس" هي مجموعة مسلحة إسلاموية فلسطينية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول العربية على أنها منظمة إرهابية. كما تصنف حركة "الجهاد الإسلامي" على أنها منظمة إرهابية أيضا، وهناك دلالات على تبعيتها لإيران. تقلص المساحة في البقعة المقدسة وقال المحامي دانيال (داني) سيدمان، مؤسس ومدير منظمة "Terrestrial Jerusalem" (القدس الدنيوية)، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية تدعو إلى حل  قضية القدس   في إطار مفهوم حل الدولتين، إن "المساحة الفلسطينية تتقلص. فقبل خمس سنوات، كان الأقصى ومحيطه الأقل احتلالا في القدس، لكنهما صارا اليوم الأكثر احتلالا". وأضاف "لا يوجد سبب واحد واضح وراء ذلك، لكن ما نراه بشكل عام في القدس ما أُطلقُ عليه اسم (تسليح الإيمان) حيث تكون الحركات المسببة للأحداث والمسيطرة على الخطاب بالقدس الأكثر تطرفا والأكثر استبدادا وأيضا الأكثر إقصاءً للغير. هذا الأمر ينطبق بالتأكيد على حركة جبل الهيكل (القومية المتطرفة) في القدس والتي بدأت حركة هامشية عام 1967، لكن صارت الآن في السلطة". في المقابل، هناك جماعات إسلامية مسلحة مثل حماس التي أعلنت نفسها "المدافع" عن الأقصى، فيما اتهمت إسرائيل الجانب الفلسطيني باستخدام أي قضية تتعلق بالقدس كذريعة للتحريض على العنف. الوضع الراهن في خطر في حرب يونيو / حزيران 1967 (حرب الأيام الستة)، استولت إسرائيل على مدينة القدس القديمة و"الحرم الشريف" أو "جبل الهيكل" من الأردن، إلى جانب بقية  القدس الشرقية   والضفة الغربية وقطاع غزة. ويرغب الفلسطينيون أن تكون هذه الأراضي جزءًا من دولتهم المستقبلية، لكن إسرائيل ضمت القدس الشرقية واعتبرت المدينة عاصمتها الموحدة، وهي خطوة لم يعترف بها معظم المجتمع الدولي. وبموجب ترتيبات طويلة الأمد، يُسمح لليهود بزيارة المكان، حيث يعتقدون أنه كان يضم معابد خلال فترة زمنية سابقة، بيد أنه لا يُسمح لهم بالصلاة هناك. وترمي هذه الترتيبات إلى الحفاظ على الوضع الراهن من قواعد واحترام متبادل بين الطوائف الدينية، فيما يدير الأردن شؤون المسجد الأقصى والمقدسات في القدس بموجب "الوصاية الهاشمية". أثارت زيارة الوزير الإسرائيلي بن غفير لمجمع المسجد الأقصى في يناير / كانون الثاني إدانات فلسطينية وعربية دعوات دولية للتهدئة بعد المواجهات الأخيرة في رمضان، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيان الأربعاء الماضي أن إسرائيل "ملتزمة بالحفاظ على حرية العبادة وحرية الوصول لجميع الأديان والحفاظ على الوضع الراهن بالحرم القدسي ولن تسمح لمتطرفين عنيفين بتغيير ذلك". وأدانت العديد من  الدول العربية والإسلامية   الأحداث الأخيرة، فيما أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على "الحاجة الملحة لوقف جميع الإجراءات الأحادية الجانب التي تنتهك الوضع التاريخي والقانوني القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس". وصادف دخول شهر رمضان أسبوعه الثالث احتفال اليهود بعيد الفصح واحتفال مسيحيي الشرق والغرب بعيد القيامة، فيما دعت مجموعة يهودية متطرفة إلى ممارسة الطقوس القديمة المتمثلة في "ذبح القربان" عند جبل الهيكل، الذي يُعرف عند المسلمين بالحرم الشريف. وكما حدث في الأعوام الماضية، منعت الشرطة الإسرائيلية ممارسة مثل هذه الطقوس وصادرت "القرابين". ورغم ذلك قامت مجموعات يهودية بزيارة الموقع تحت حماية مشددة من قبل الشرطة خلال عيد الفصح لكن دون وقوع مزيد من الحوادث. في عام 1967 وبعدما ضمت إسرائيل القدس الشرقية، جرى إبرام اتفاق مع الأردن، الذي يعد الوصي على المقدسات في القدس، يسمح لليهود بالزيارة فقط ولا يسمح لهم بالصلاة أو أداء الطقوس الدينية في المنطقة الواقعة بين الحائط الغربي الذي يعد أقدس مكان لدى اليهود، والمسجد الأقصى، ثالث أكثر الأماكن قدسية لدى المسلمين. لكن في السنوات الأخيرة، دعت حركة يمينية متطرفة يُطلق عليها اسم "نشطاء جبل الهيكل" إلى زيارة المكان مع أداء الصلوات سرا وهو الأمر الذى وصفه الفلسطينيون وحكومات عربية بالعمل الاستفزازي ويمهد الطريق أمام تآكل الوضع الراهن. وبموجب الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإن  أجهزة الشرطة   التي تسيطر على المنطقة تخضع لسلطة وزير الأمن القومي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير الذي وصف في السابق حظر أداء الصلاة اليهودية داخل المجمع بأنه يعد "أمرا تمييزيا" ودعا إلى تغيير الوضع الراهن. وفي تعليقه، قال دانيال سيدمان إنه قبل عشر سنوات، "كانت هناك زيارات يقوم بها غير المسلمين، أي اليهود، إلى الجبل في شكل ضيوف على الأوقاف الإسلامية، لكن اليوم، من يقوم بهذه الزيارات يقولون إننا لسنا ضيوفا بل نحن أصحاب المكان. يبدو أن مفهوم المكان المشترك قد تلاشى في أفضل الأحوال". وقد حظرت الحكومة الإسرائيلية الثلاثاء الماضي زيارة غير المسلمين للحرم القدسي حتى نهاية رمضان كما فعلت خلال السنوات الماضية. ويذكر أن إسرائيل قد أعلنت القدس بجزأيها الشرقي والغربي عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل. ويُنظر إلى "قانون القدس" على أنه ضم فعلي للجزء الشرقي من المدينة ذات الأغلبية العربية. وقد أبطل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 ذلك، حيث اعتبر هذا القرار لاغٍ، كما أن معظم الدول لا تعترف بهذه الخطوة. ويتعين توضيح وضع مدينة القدس في مفاوضات السلام، إذ يطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقلة ذات السيادة. تانيا كريمر - القدس/ م ع/ .ص.ش/ م.س

مشاركة :